الخطاب الإسلامي الصحيح يشتمل علي الخطاب الديني الذي يحمله القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلي البشرية كلها حتي يوم القيامة. وهذا سر سمو رسالته, ونبل مقاصده, وشرف أهدافه, وكمال غاياته.. قال تعالي: ومن أحسن قولا ممن دعا إلي الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين. ويتسع مفهوم الخطاب الإسلامي ليشمل اجتهادات علماء الأمة وفقهائها ومفكريها ودعاتها المستندة إلي صحيح الدين, لاستيعاب مستجدات العصر, والإفادة منها في إثراء حياة الناس, وتيسير مصالحهم, وحماية حقوقهم, وصيانة حرياتهم. ومن هنا كانت حفاوة الإسلام بالاجتهاد, وإصراره علي فتح بابه واسعا أمام القادرين عليه المؤهلين له حتي يوم القيامة. فالاجتهاد ميزة إسلامية كبري تمنح العقل البشري احتراما وإجلالا, وتجعل حصاد فكر الإنسان سببا في تكريم صاحبه بأجرين إذا أصاب, وأجر إذا أخطأ, كما تمنح حياة الناس تجددا دائما ومعاصرة في إطار ثوابت الإسلام. طامة كبري طاردت الخطاب الإسلامي في الآونة الأخيرة.. شوهت حقائقه السامية عن قصد سييء, وأغراض مشبوهة يرفضها العقلاء بمن فيهم غير المتدينين, والمنصفين من غير المسلمين. تحول الخطاب الإسلامي علي أيدي قلة تشبهت بالعلماء, واندست في صفوفهم, وقلدتهم بغير علم إلي ازدراء للدين, واستهانة بمقدساته. تجاوزوا في حق الملائكة.. تطاولوا علي مقام أمين الوحي جبريل عليه السلام.. أوهموا فئة مخدوعة من الشباب أنه نزل من السماوات العلا ليعتصم والعياذ بالله في مسجد رابعة العدوية حتي يعود النظام السابق. فماذا عسانا أن نسمي هذا التجاوز والتطاول؟ وإذا لم يكن هذا الزعم الكاذب ازدراء للإسلام, واستهانة بمقدساته, واستخفافا بعقول الناس.. فماذا يكون؟ مصيبة كبري لحقت بالخطاب الإسلامي حين صدق البعض أن الرسول صلي الله عليه وسلم استحي أن يؤم المصلين في رؤية مزعومة لأحدهم وأبي إلا أن يقدم الرئيس السابق إماما عليه وعلي من معه! حتي رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يسلم من تجاوزاتهم.. فإذا لم يكن هذا ازدراء للدين واستهانة بمقدساته فهل توافقون علي وصفه بأنه خطاب إسلامي؟ أذي كبير أصاب الخطاب الإسلامي حين فرق بعضهم المسلمين في مصر, فجعلوا منهم قلة مؤمنة وكثرة كافرة, وحرضوا علي العنف والقتل وهم يرددون زيفا: قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار. فبأي حق امتلكوا الجنة؟ وكيف اغتصبوها حكرا عليهم؟ وهل بلغت سطوتهم حد قذف أهل مصر المؤمنين الطيبين في النار؟ فإذا لم يكن هذا ازدراء للدين واستخفافا بحقائقه واستهزاء بأحكامه.. فهل ترونه يرقي ليكون خطابا بين عقلاء فضلا عن أن يكون إسلاميا؟ الأمر لم يتوقف عند حفنة فتاوي انتقامية شوهت الخطاب الإسلامي, وإنما امتد عبثهم إلي بيوت الله, لنفاجأ بخطاب يفتقر إلي أدني درجات الاحترام والوقار اللائقين بالمساجد. فهذا إمام يعتلي منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم, ليحرض علي الجيش, متناسيا أن صاحب المنبر وصف رجاله بأنهم خير أجناد الأرض, وأنهم في رباط إلي يوم الدين. إمام آخر يحرض علي التظاهر, ويدعو إلي العنف, ويحض علي التخريب في خطبة الجمعة.. قابله المصلون بالرفض والاستنكار والإصرار علي إقامة الصلاة دون إتمام الخطبة. في مسجد ثالث ألغيت صلاة الجمعة بعد أن أشعل بعض أدعياء الدين الخلافات بين المصلين. هذا قليل من قذائف كثيرة عمياء أصابت الخطاب الإسلامي, وشوهت غاياته وأهدافه, وحرفت مقاصده, وألحقت به في فترة وجيزة هزائم جمة لم يحققها تحالف أعداء الإسلام في الشرق والغرب علي مدار عقود طويلة. مزاعم المبطلين التي طغت علي حقائق الخطاب الإسلامي تحتاج إلي تحرك سريع من مؤسساتنا الدينية لتصحيح مسار الخطاب, وإبراز حقائقه, وتأكيد أهدافه.. وقد ناشدت الأزهر الشريف سرعة التحرك في مقال سابق. وأثق في أن وزراة الأوقاف التي تضم قرابة100 ألف داعية ينتشرون في ربوع الوطن قادرة بالتعاون مع الأزهر الشريف علي تحقيق ذلك. كما أن المجلس الأعلي للشئون الإسلامية الذي سهر سنوات طويلة علي رعاية أبناء المسلمين في العالم شريك أصيل في إزالة ما علق بالخطاب الإسلامي من شوائب فكر الجهلاء. ومن حسن الحظ أن مصر تحتضن منذ سنوات طويلة الأمانة العامة لرابطة الجامعات الإسلامية, وهي بيت خبرة عالمي عريق في كل مجالات العمل الإسلامي, وتضم أكثر من100 جامعة إسلامية منتشرة في ربوع الأرض, ولها علاقات علمية وثقافية بالعديد من جامعات أوروبا, ويربطها تعاون وثيق مع كبريات المؤسسات الإسلامية, ولديها مئات الأبحاث في مجالات الدعوة والتربية والتعليم والتنوير وغيرها, كما تمتلك الرابطة عشرات الدراسات في تطوير الخطاب الإسلامي, وتضم لجانها العلمية صفوة علماء مصر في مختلف التخصصات. ويمكنها تقديم جهود مميزة بالتعاون مع الأزهر والأوقاف لوأد محاولات ازدراء الدين, وإهانة مقدساته, والاستهزاء بأحكامه, والاستخفاف بعقول المسلمين, خاصة الشباب, باسم الدين, وتحت لافتة الخطاب الإسلامي. فهل أنتم فاعلون؟ لمزيد من مقالات محمد الدسوقى