أخشي ألا يميز رؤساء الجماعات السلفية بين أن يكون لهم دور وطني فعال اقتداء بالازهر الشريف, وبين أن ينخرطوا في العمل السياسي, وينافسوا غدا علي المشاركة في المجالس النيابية, والسعي الي حيازة مناصب السلطة كما فعلوا قبل ذلك... ومع تسليمي بأن المشاركة السياسية من حقهم ومن حق كل مواطن أري أن النشاط الدعوي التثقيفي يخسر كثيرا بانصرافهم عنه الي النشاط السياسي, وانهم ايضا يخسرون خسرانا دنيويا وأخرويا بتخليهم عن واجب دائم يقيني الي هدف مؤقت مشكوك في نجاحه. لقد اندفعوا بعد الثورة الأولي في25 يناير سنة2011 علي غير خبرة وروية الي معترك السياسة حاسدين الإخوان علي الانفراد بالغنائم, ثم ها هم أولاء بعد الثورة الثانية في30 يونيو سنة2013 نري من شواهد تصرفاتهم مايدل علي أنهم يتلمظون بشهية مفتوحة معاودين الاندفاع الي المعترك نفسه, وقد خلا المجال من المنافس القوي مكررين المواقف نفسها, وكأنما يقول لسان حالهم للقوي العالمية نحن المشروع البديل دون أن يتعلموا الدرس, ويأخذوا العبرة من فشل رفقائهم علي الدرب, ومالحقهم هم من أذي واشتباه نتيجة لتلك الصحبة السيئة. إنني كلما رأيت هذا الاندفاع أتذكر حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي يخبرنا فيه عن مستقبل يراه بعين الوحي وبصيرة النبوة فحواه أن أقواما من أهل المدينة يبهرهم بريق الفتوحات في اليمن والشام والعراق فيتسرعون راحلين عن المدينة للإقامة في تلك الأمصار وهم يبسون أي يثيرون الغبار ويفتنون الحصي سواء بأقدامهم وهم يمشون في هرولة, أو بأقدام إبلهم ودوابهم وهم يسوقونها في تعجل وخفة عقول ثم يعقب عليه الصلاة والسلام بقوله والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وعودة السلفيين الي حلقات التعلم والدرس خير لهم لو كانوا يعلمون فإذا كانوا مصرين علي الرغبة في العمل السياسي الذي هو من حقهم باعتبارهم مواطنين فيجب ألا يخلطوه بالدعوه الدينية وليدعوها للمتفرغين لها حتي لا يحملوا أخطاءهم السياسية علي الدين ولينضم من شاء منهم الي أي حزب من الأحزاب بحسب رؤيته السياسيه وليتركوا الاستتار وراء الشعار المراوغ بأنهم حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية فقد استبان الشعب قدرا كبيرا من التمييز بين أصحاب القدرة الحقيقية, وبين العاجزين أو الهواة, والمواقف الصعبة هي التي تكشف النقاب عن امكانات الافراد أو الجماعات. قد يحتج السلفيون الذين يصرون علي النشاط السياسي ذي المرجعية الاسلامية حسب قولهم بأنهم يريدون الاصلاح, وانهم يبذلون كل مااستطاعوا من جهود ليحافظوا علي مااكتسبوه من مواد في الدستور الأول حتي لا تضيع في التعديلات ليأتي الدستور بعد تعديله معبرا عن الهوية الاسلامية لمصر فيبرئون ذمتهم أمام الله ثم أمام التاريخ, وحجتهم هذه من خداع النفس, فهوية مصر الاسلامية لا تحتاج الي إثبات لا من السلفيين ولا من غيرهم, ولا تحتاج الي التأكيد بعد التأكيد الذي ينم علي شك واضطراب ثقة فالحقائق المستقره لا يلزمها التأكيد, وإنما التأكيد كما يقول البلاغيون عند الشك او عند الانكار. واما الاصلاح الذي ينشدونه, فالاصلاح لا يبدأ من أعلي الهرم حيث قرارات السلطة وإنما يبدأ من قناعة القاعدة الشعبية وكل إصلاح يفرضه الحاكم ذو الايديولوجية غير مستقر لأنه علي فرض نجاحه مدة بقاء الحاكم صاحب هذه الايديولوجية في السلطة سرعان مايزول بزواله سواء بموته او بإسقاطه, أما الإصلاح الذي يبقي ويستقر وتدوم آثاره فهو الاصلاح الذي يعتنقه الشعب بمحض رضاه واقتناعه هكذا يقول التاريخ ألم يحاول الملك إخناتون تغيير عقيدة الشعب وإصلاح دينه حسب تصوره فأنشأ معابد غير المعابد, ورسم كهنة غير الكهنة, فلما مات غيلة أو حتف أنفه عاد الشعب الي ديدنه, ورجع الي عبادة ألهته الأولي؟: ولماذا نذهب الي تاريخ الفراعنة وعندنا تاريخ الاسلام وفيه الشواهد الكثيرة التي تعلمونها حق العلم؟ ولنأخذ منها مثل عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي كان مصلحا عظيما في سلسلة ملوك بني أمية عاشت الرعية في ظل حكمة آمنة هانئة فماذا كان من أمر الناس بعد وفاته؟: ألم يعد الملوك الي ما اعتادوه من ظلم وفساد؟ ألم يعد الشعب الي ما أكره عليه من الكذب والخضوع وتفاوت الطبقات؟ وتاريخنا المصري القريب يرينا المثل القاطع من الحقبة التي أرادت فيها السلطة أن تفرض نظاما اشتراكيا علي الشعب وقد سخرت له الأبواق واجتهد الحزب آنئذ بكل مااستطاع من وسائل وقدرات وحشد الشباب والكبار في الطلائع والمنظمات ثم انهار كل مابناه بمجرد وفاة الزعيم الذي آمن بهذه الايديولوجية, واتجهت مصر بعده الي الانفتاح الاقتصادي, وتقلصت الحركة الاشتراكية. لايخدعنكم ايها السلفيون بريق السياسة, ولا تغرنكم الاجتماعات والبيانات, والظهور في مرائي التلفاز, ولا تفرحوا بالتزلف الي الأمريكيين أو بتزلف الأمريكيين إليكم وعودوا الي حلقات التعلم واعتنوا بتدريب شبابكم علي الخدمة الوطنية والأعمال الخيرية, والعناية بالثقافة الإسلامية الجامعة بين التراث والتجديد العصري يكن لكم أثر وطني نافع تنالون به رضا الله, ومحبة الناس. لمزيد من مقالات د. محمد فايد هيكل