طالعت مجددا كتابين توثيقيين ثقيلي العيار أصدرتهما دار مدبولي في طبعات متعددة, وقد عنيا إلي حد كبير إلي جوار التأريخ وكتابة سيرتي بطليهما بالتحليل السياسي والاجتماعي والنفسي والعرض شديد الاحكام لطبيعة السياق الذي عاش فيه كل منهما... وكان عنوانا الكتابين:( سيد قطب وثورة يوليو) و( حسن البنا الذي لا يعرفه أحد) للمفكر الاستاذ حلمي النمنم... ولم تك بالطبع المرة الأولي التي أقرأ فيها عن قطب والبنا, فقد أوغلت في دراسة كل منهما عبر مراجع إخوانية وغير إخوانية وقتما كنت أقوم بتحليل مضمون( كمي وكيفي) لرسوم أبي الكاريكاتورية عام1954 في روز اليوسف وعام1965 في المصور عن مؤامرتي الإخوان الشهيرتين, وذلك في أطروحتي للماجستير والدكتوراة... ولكن أقبلت علي مطالعة نصي حلمي النمنم لثقتي بأنني سأجد( عبر رؤيته المتوازنة ومعرفته الموسوعية بأسس الفكر الديني/ السياسي) ما يجعل قراءتي للنصين مراكمة مهمة في بناء معرفتي بالملفين.. وصدق حدسي إذ وجدت حلمي يمزج في براعة لافتة بين سمت كل من الباحث المدقق والأديب والصحفي المحقق, ويرسم بورتريه( صورة وجه) ينبض بالحياة لكل من البنا وقطب, ويقدم لنا عبر تخليق بارع لمعاملات الارتباط بين ما طرح من معلومات جملة استنباطات واستخلاصات شديدة الأهمية, لا بل طرح علينا منظومة معلومات تفصيلية جديدة عن ماسونية سيد قطب مثلا, وموقع حسن البنا بين الأسطورة والأكذوبة في أكثر من حادثة.. وفي نصه الممتع عن سيد قطب وثورة يوليو اطلعت علي التقلبات في فكر سيد قطب قبل أن يندمج في أفكار الحاكمية والجاهلية والتكفير, وهو ما قاده إلي التآمر المسلح علي أمن وسلامة المجتمع عام1965, وضمن التقلبات كان هجومه علي دستور1923 ودعوته لقادة يوليو1952 إلي ممارسة العقاب الجماعي الموغل في العنف, وتحريضه ضد الوفد وأحزاب ما قبل الثورة... أما في كتاب البنا فقد بحث النمنم عن موقعه بين( الإلهام والنورانية) و( الراسبوتينية) وبين كونه رجل( تنظيم) لا رجل( تنظير)... الكتابان ممتعان فعلا وقراءتهما الآن تلقي بكثير من الضوء علي بعض ما يحدث. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع