لايخفي علي أحد أن لكل ثورة أعداء يسعون في جد, ويبذلون أقصي جهد, من أجل افشالها, والانقضاض علي مكتسباتها, والصاق التهم بمن قاموا بها. ويتصدر قائمة الاعداء من يوصفون بالطابور الخامس- مصطلح يطلق علي المثبطين والمروجين للشائعات ومنظمي الحرب النفسية- وهم إما نفر من ابناء الوطن يعملون لمصلحة الاعداء أو من الاعداء الذين تغلغلوا بين الشعب المراد الحاق الهزيمة به وكان اول ظهور لهم عام1936 في اسبانيا, فقد خرج هؤلاء من الجحور بعدما سكنوا فيها بضعة ايام بعيدا عن الانظار ليراقبوا مايدور ويحددوا لأنفسهم الوقت الذي سيظهرون فيه, والمكان الذي سينفذون منه لينفثوا سمومهم ويفتوا في عضد الشعب الثائر, ويدخل الوطن بسببهم في دوامة البحث عن الذات التي كلما اقترب من الخروج منها اعادوه اليها بالدسائس التي يجيدون حياكتها بفضل خبراتهم التي صقلتها مراكز الشر الاوروبية والامريكية التي تدعي انتصارها للديمقراطية والمدنية والعمل الاهلي, بينما الواقع يدحض كل هذه الادعاءات التي اثبتت الايام انها مجرد ستار يخفي أعمالهم التي تحقق اهدافهم في تقسيم البلاد ونشر الفوضي وهدم المؤسسات. ورغم مرور نحو شهرين علي الثورة العظيمة والفارقة في تاريخ مصر, التي شهدت خروج أكثر من ثلاثين مليون مصري علي قلب رجل واحد يرفعون مطلبا واحدا, وأيدهم حماة الوطن خير اجناد الارض وانضمت اليهم الشرطة الباسلة, فإن نفرا ممن ادمنوا عشق الغرب وذاقوا النعيم بالتمرغ في امواله التي اغدقت عليهم في غفلة من الرقابة فإن لم يكن غريبا عليهم ان يعملوا بالمثل الشعبي( انحني للموجة العالية حتي تمر) فغابوا عن المشهد الثوري الشعبي, ثم بدا لهم وقت الظهور بعد أن هدأت الامور علي الارض وتبين نجاح الثورة وانتصار الشعب وبدء دوان عجلة العمل في تنفيذ خريطة المستقبل التي اعلن عنها الجيش, حتي يحافظوا علي مكتسباتهم التي حققوها من وراء نضال التنظير في مؤتمرات الفنادق أو الاستديوهات المكيفة. ومن عجب أن هؤلاء الذين سبقوا اسماءهم بصفات عدة, منها الباحث والناشط والمحلل, عادوا الي المشهد متسللين بمساعدة من نظرائهم في وسائل الاعلام, وتنوع ظهورهم مابين مؤيد للثورة ووصفها بالموجة الثورية الجديدة لثورة25 يناير, ومنهم من أيد الثورة لكنه توقف امام وجود الجيش في المشهد السياسي, وثالث امتطي صهوة جواده الخشبي وأعلن في ثقة يحسد عليها أن ما حدث انقلابا عسكريا بأتم معني الكلمة, لكنه تراجع قليلا واضاف( بغطاء شعبي). وهكذا بدا اعضاء الطابور الخامس كل حسب قدرته ومرجعيته الخارجية يفسر ويحلل, وزاد بعضهم بطرح مبادرات للخروج من الازمة, اسقطت اقنعتهم وكشفت عن علاقاتهم السرية مع جماعة النظام المعزول غير أن الشعب الذي تعلم الدرس بعدما سرقت منه ثورته الاولي وضلت طريقها الذي قامت من اجله الي طريق العشير والاهل, قام ثانية لاسترداد ارادته بثورة جديدة لها كل مقومات الخصوصية عن سابقتها من حيث العدد والتأثير, اذ يكفي مشاركة كل أطياف المجتمع وفئاته, بأعداد غير مسبوقة بعدما تخلوا عن كنبتهم الشهيرة التي جلسوا عليها يراقبون المشهد في الثورة الاولي وما تلاها من احداث, ومن هنا فإن الشعب الذي وعي الدرس جيدا وأنقذ نفسه ومستقبل اجياله وحمي بلده مستعينا بجنده البواسل لن يقبل أن يتصدر المشهد من كانوا سببا في اختطاف الوطن علي مدي عامين ونصف العام, لن يقبل انه ينقاد خلف من يبشرون بالمجهول ويجاهرون تحت مسمي حرية الرأي بكل ما يعارض ما اتفق عليه عموم الشعب الذين أعلنوا ان لا وصاية عليهم, ولا تفويض لأحد ليتحدث باسمهم, ويكفي هذا الشعب فخرا أن امته العربية تتباهي به الآن وتفاخر, بل وتعلن بأعلي الصوت أنها تقف معه وامامه وخلفه في مشهد عربي اصيل يعيد انتاج مشاهد العز العربية التي افتقدناها منذ حرب اكوبر1973, لكن ثورة المصريين جددت الامل في وحدة عربية ممكنة, وليس أدل علي امكان حدوثها من موقف الدول العربية وفي مقدمتها السعودية التي اعلن عائلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ان بلاده تقف الي جانب الشعب المصري وطالب في كلمة استمع اليها المصريون ومعهم العالم كله بأن يبتعد دعاة الفتنة عن مصر, وتوالي الدعم العربي من كل مكان من الامارات والكويت والبحرين والاردن الي جانب مؤازرة مغربية في مجلس الامن, في ملحمة سيذكرها التاريخ كما ذكر مثيلاتها من قبل, فمن ينسي هبة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر لنصرة العراق عندما حاول الاسطول السادس الامريكي الاعتداء عليها فقال قولته الخالدة( الاعتداء علي العراق اعتداء علي مصر) فعاد الاسطول من حيث اتي, ومن ينسي ما قاله الزعيمان الكبيران السعودي فيصل بن عبدالعزيز والاماراتي زايد بن سلطان( الدم العربي أغلي من البترول العربي) وقاما ومعهما الدول العربية النفطية بقطع البترول عن الغرب ما دعم موقف الجبهتين المصرية والسورية في الحرب. لقد نزلت كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بردا وسلاما ليس علي المصريين وحدهم وانما علي الامة العربية بأسرها, فهاهي تنهض من سباتها وتنفض غبار الصمت والسكون, وتجدد الامل في أمة عربية قادرة بوحدتها وتماسك ابنائها علي الصمود في وجه الغرب وامريكا الساعين لتقسيم الوطن الي دويلات صغيرة لاحول لها ولاقوة. والشاهد أن الأزمة التي عاشتها مصر منذ ازاحة حكم الجماعة كانت فرصة لاستكشاف مكانة مصر بين شقيقاتها وفرصة اهم واكبر للتأكيد علي ان هذه الامة تملك من المقومات والارادة مايمكنها من رفض التبعية وفرض الذات واستعادة الامجاد. لمزيد من مقالات أشرف محمود