تعتبر قضية تنقية الفكر من التطرف والغلو والتشدد, من القضايا التي تشغل بال الكثيرين من علماء الدين في المرحلة الراهنة من تاريخ الوطن, لما ترتب علي هذا الفكر من سفك وإراقة للدماء وعنف وتدمير وتخريب للممتلكات العامة والخاصة. واعتداء علي حرية ومعتقدات الآخرين, باسم الدين, وذلك نتيجة للفتاوي المغلوطة الصادرة عن أناس غير مسئولين, تحرض علي القتل والعنف تارة, وتارة اخري تدعو الي التخوين وبث الرعب في نفوس المواطنين الآمنين. ودعا علماء الدين الي مواجهة تلك الافكار الهدامة,مؤكدين في الوقت نفسه ان تنقية الفكر من التشدد والتطرف,هو جهاد ناعم لتصحيح المفاهيم الخاطئة لدي النشء والشباب,وجميع من اعتنق تلك الافكار العفنة التي استشرت واستعرت نارها فأحرقت الأخضر واليابس. ويقول الدكتور احمد عمر هاشم رئيس جامعة الازهر الاسبق و عضو هيئة كبار العلماء,إن التصدي للفكر المتشدد والمتطرف,هو مسئولية الجميع,خاصة علماء الدين والدعاة والأئمة,وأيضا المفكرين والمثقفين والخبراء في كل التخصصات,الي جانب المؤسسات الدينية التي لابد ان يكون لها الصدارة في اجتثاث تلك الافكار الهدامة والعفنة من جذورها,مشيرا الي ان تلك المسئولية هي فرض عين علي العلماء خاصة في المرحلة الحاسمة من تاريخ الوطن,التي ظهر فيها اناس يرتكبون جرائم آثمة من قتل وعنف, ولم يراعوا دينا و لاخلقا ولا عرفا ويوقعون الارهاب هنا وهناك مما يجعل الحياة كلها مآسي,مشددا علي انه يستوجب علي الدعاة وجميع المواطنين مواجهة افكارالارهاب,ومن هنا فنحن نقول للذين يتربصون بمصر ستدور عليكم الدائرة,لانكم تدافعون عن افكار هدامة تخرب العقول وتحرق البيوت. الدين مادة أساسية واكد أنه إذا أردنا بداية حقيقية لتنقية الفكر من التشدد والتطرف في العقول,فعلينا ان نبدأ بالمناهج الدراسية في المراحل الاساسية للتعليم,بحيث تكون مادة التربية الدينية في المدارس مادة اساسية وليست مادة ثانوية,بمعني ان يكون فيها نجاح ورسوب, حتي يهتم بها التلاميذ والطلاب,مشيرا الي ضرورة ان تشتمل تلك المناهج في جميع مراحل التعليم علي كل مايفيد المسلم من أمور العبادات والعقيدة والمعاملات,مع التأكيد علي سماحة الاسلام ووسطيته,وشموليته وقابليته ومرونته للتطبيق في كل زمان ومكان,بالاضافة ايضا الي التأكيد علي نشر ثقافة التعايش المشترك مع الآخر في الوطن الواحد. وشدد الدكتور احمد عمر هاشم علي ان من يقوم بوضع تلك المناهج,لابد ان يكون من علماء الأزهر الذين يتمتعون بأفق واسع ولديهم رؤية تتسم بفقه الواقع,حتي يربط النشء بواقع حياتهم,هذا من ناحية وضع المادة العلمية,أما من ناحية التدريس,فيجب علي من يقوم بتدريس تلك المادة الدراسية المهمة,ان يكون ذا مواصفات خاصة ومؤهلا تأهيلا تربويا وعلميا شاملا,وعلي دراية كاملة باللغة العربية وعلومها ومن قبل ذلك العلوم الشرعية وفروعها وملحقاتها,وايضا يجب ان يكون قدوة في كل شئ,في حركاته وسكناته وملبسه واخلاقه وتعاملاته مع الآخرين قبل كل شئ,لان التلاميذ في المراحل الاساسية للتعليم يكونون اكثر تقليدا لما يرونه من معلميهم سواء بالسلب او الايجاب,فإذا تم غرس القيم الفاضلة والاخلاق النبيلة والثقافة الاسلامية الصحيحة في نفوس النشء من بداية المراحل التعليمية المختلفة,من خلال مادة التربية الدينية منهجا وتدريسا,نكون بذلك قد جعلنا حول هؤلاء النشء- الذين هم املنا وعدتنا في المستقبل- حصانة مانعة من تسلل الفكر المتشدد والمتطرف والافكار الهدامة إلي عقول ابنائنا الذين للأسف الشديد يقعون فريسة سهلة لتلك المعتقدات الخاطئة, ويتحولون الي اداة هدم وتخريب تنشر الفوضي والخراب والدمار في المجتمع,بدلا من البناء والتعمير الذي اراده المولي عز وجل وامر به في قرآنه حيث قال. هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها.... وفي سياق متصل,يؤكد الدكتور عبد الغفار هلال الاستاذ بجامعة الازهر,أن الفكر المتشدد والمتطرف نشأ في عقول بعض الشباب من خلال قراءة بعض الكتب واخذ المعلومات منها وليس عن طريق الشيوخ والعلماء المشهود لهم بالعلم والاستاذية في تدريس العلم,وقديما قالوا انه لايقال ان لفلان كتابا وانما يقال ان لفلان شيخا,لأن الكتاب بمفرده دون معلم بمثابة الشيخ الضال,موضحا ان العلم الصحيح الذي نقل الينا عبر الاجيال المختلفة,جاء عن طريق دقة الرواية وصحة الحديث والتحري عمن يؤخذ عنه,حتي وصل العلم الي قاعدة عريضة من جمهور المتلقين من الناس,مشددا علي ضرورة تنقية الفكر من التشدد والتطرف من خلال العودة الي مصادر العلم الأصلية,وهي الكتب التي تدرس علي ايدي العلماء والاساتذة في الاماكن المعدة لذلك,وتتقدم الصفوف في نشر تعليم الاسلامي الوسطي في كل دول العالم من غير غلو ولاتطرف,مؤسسة الأزهر جامعا وجامعة,بجميع مراحل التعليم في فروعها في الداخل والخارج. المواجهة ومن وجهة نظره يري أنه إذا أردنا ان نقضي علي الفكر المتشدد والمتطرف من المجتمع,فانه يجب علي الناس ارسال اولادهم الي دور العلم التي تنتهج الفكر الصحيح والوسطي المعتدل,في جميع مراحل التعليم المختلفة,كما يجب ان يفسح المجال لجماعة العلماء الوسطيين المستنيرين بالفكر المعتدل في كل التخصصات والاماكن,في وسائل الاعلام المختلفة( المقروءة والمسموعة والمرئية) وايضا وسائل وادوات التواصل الاجتماعي التويتر والفيس بوك والانترنت التي يكثر الاقبال عليها كثيرا من الشباب,فهي بمثابة لغة عصرهم,مشيرا الي ان المواجهة التعليمية مع الذين اعتنقوا الفكر المتشدد والمتطرف ضرورة,من خلال الحوار الهادئ والبناء الذي تكون ثمرته الوصول الي الحقيقة التي هي الهدف الاسمي الذي به يتم تصحيح المفاهيم وتنقية الفكر من التطرف والغلو والتشدد الذي اضر المجتمع لفترات كبيرة وتعاني آثاره حتي الآن غالبية دول العالم. وقاية وعلاج ومن جانبه, يؤكد الدكتور نبيل السمالوطي استاذ علم الاجتماع بجامعة الازهر,ان الاسلام في أصل مصادره الأصلية وهما القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة,يستهدف تحقيق الامن النفسي والمادي والاجتماعي وكل جوانب الامن,لكل الناس سواء كانوا مسلمين او غير مسلمين,وايضا يستهدف كما هو معروف,حماية حقوق الانسان وحرياته وكرامته التي تعرف في الشريعة الاسلامية بالكليات الخمس وهي حفظ النفس والدين والمال والعقل والعرض,مشيرا الي ان الاسلام بهذا المعني يجب ان يتعلمه النشء بطريقة صحيحة,حتي لايقع في أحد أمرين محظورين,وهما الافراط والتفريط,وكلاهما تطرف,فقد يجنح البعض الي الانغماس في الشهوات والملذات والاهواء ويصبح عبدا لها,او قد يصبح الطرف الاخر فيكون مغاليا في الدين يفهمه حسب اهوائه وتفسيراته او تفسيرات اشياخه المتطرفين,وهنا يكون التطرف والتشدد وينتج عنه القتل والسرقة واصدار الفتاوي المغلوطة المزيفة باسم الدين,كما نري ونشاهد ونسمع في الايام الحالية. وأشار الي ان العلاج الناجح لتلك الآفة المدمرة للمجتمع,يبدأ بالمحافظة علي نشر التعليم الديني الوسطي المستنير بكل الوسائل التعليمية,وفي كل المراحل بدءا من الحضانة والابتدائية والاعدادية والثانوية,هذا بالاضافة الي احياء الدور الدعوي والمجتمعي والتثقيفي للمساجد والابتعاد بها عن السياسة بمفهومها الحزبي الضيق والاستقطاب الديني والسياسي لها,موضحا ان امام المسجد لابد ان تكون لديه القدرة علي التواصل مع الناس بمختلف اعمارهم,كما يجب الاكثار من الداعيات من خريجات الازهر علي ان يتم تدريبهن علي ادوات وفنون الدعوة بطرق حديثة لجذب النساء بمختلف اعمارهن حتي يكن نواة صالحة لانبات ذرية طيبة في المجتمع. وشدد علي ضرورة القضاء التام علي القنوات الفضائيةالفتنةالتي تحرض علي القتل والعنف باسم الدين,وهي للاسف تنتمي زورا وبهتانا الي الاسلام الذي هو منها براء,لانها تحمل في طياتها فكرا متطرفا مغاليا بعيدا كل البعد عن وسطية وسماحة الاسلام,وفي الوقت نفسه يجب ان تظهر الي النور علي الفور قناة للأزهر الشريف لتنشر الاسلام الوسطي الصحيح,وتقضي علي مخلفات فتاوي الفتنة التي ترجع الي العصور الجاهلية الاولي,مؤكدا ان علي المؤسسات الدينية ان تهب جميعا وتعمل بالتنسيق فيما بينها لمواجهة تلك الافكار الهدامة من خلال احياء منظومةالقوافل الدعوية التي تشتمل علي الندوات والمؤتمرات الميدانية في جميع المحافظات,بحيث تذهب تلك القوافل الي الشباب وجميع شرائح المجتمع المختلفة,في كل اماكن وجودهم سواء في الاندية او الجامعات او المدارس او المساجد وان تكون معهم في كل المناسبات,حتي يتحقق التواصل الاجتماعي والديني معهم,ومعرفة مايدور في اذهانهم,والتعرف عن قرب علي مشكلاتهم والقيام ايضا بالرد علي استفساراتهم,ومساعدتهم في حل ازماتهم,كل هذا من شأنه القضاء علي المفاهيم الخاطئة,وفي الوقت نفسه منع تسلل اي فكر متطرف او متشدد الي عقول وافهام افراد المجتمع.