هل ما يعيشه العالم العربي كافة ومصر خاصة في الأعوام القليلة المنصرمة هو ضرب من ضروب المؤامرة الدولية الجديدة ؟ الشاهد أن ذكر كلمة مؤامرة في حد ذاته يثير كتيبة الليبراليين العرب الجدد, واقرب السبل إليهم اتهامنا بأننا مصابون بهواجس الخوف وبارانويا الخيال, غير أننا لن نمل من القول بأن المؤامرة موجودة في التاريخ وان لم يكن التاريخ كله مؤامرة, والقول بان التاريخ فردوس للأطهار لمن السذاجة السياسية بمكان حيث إن العالم ميدان واسع فسيح للتصارع والتشارع من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية للدول الكبري. خذ إليك حقيقة مصطلح الربيع العربي الذي اصطكه الأمريكيون ونحن كالعادة تلقفناه ابتهاجا كعهدنا في السعي المحموم للحاق بركاب الغرب, وكل ما يصدره لنا بدعاوي التحديث الحضاري, حتي وان كانت ركائزنا الفكرية وهويتنا القومية ورؤانا الاجتماعية وجذورنا الثقافية لا تتماهي معه... هل كان الأمر برمته خدعة كبري من قبل القوي الاستعمارية عمادها صفقات سرية بين قوي راديكالية بعينها في الداخل ونظيرتها الاستعمارية في الخارج ؟ المقطوع به أن قوي وأئمة الشر العالمي لا يستيقظون فجأة وعلي غير هدي, فما نراه نحن متبلورا في الواقع ومتلبسا فعل المؤامرة, هو في الحقيقة ليس أكثر من خطوط طول وعرض الاستراتيجيات الدولية والتي لا تصنع بالإلهام ولا توجهها النزوات أو تقودها الرغبات لدي الحاكم أو حاشيته كما في الأنظمة العالمثالثية, بل هي إملاءات معطيات ديموغرافية, ورؤي وتصورات لحقائق تاريخية, وما لا يمكن تحقيقه بالاستراتيجيات المباشرة, يتم إدراكه بالالتفاف من حول التضاريس, وفي الحالتين يبقي الهدف واضحا عند أصحاب تلك الاستراتيجيات التي نراها نحن مؤامرات. في العقد الثاني من القرن المنصرم وضعت القوي الفرانكو بريطانية لبنات الثورة العربية التي انطلقت في مواجهة الدولة العثمانية, والقصد والنية ما كانا أبدا تمتع شعوب تلك البلدان بالاستقلال التام أو بناء الدولة العربية العصرية, والدليل أن أطبق سايكس وبيكو علي رقبة العالم العربي ليقتسماه قسمة اللصوص كغنيمة للقوي صانعة القرار ومصدرة الأفكار في ذلك الوقت. هل الربيع العربي ضرب من هذه الضروب ؟ لا يملك المرء جوابا شافيا وافيا حتي الساعة, علي أن الراوي يحدثنا اليوم كيف أن الجموع العربية التي خرجت ثائرة هادرة علي أنظمتها السابقة تنادي بالعيش والحرية والكرامة الاجتماعية, ها هي تعود الآن إلي حيث بدأت فلا استقرار حققت ولا ديمقراطية عززت, ولا اقتصاد تقدم, بل مزيد من التفكك الرأسي والانحلال الأفقي عبر فقدان الأمن والأمان, وشبه احتراب أهلي وطائفي ونقاشات سفسطائية, وتوجهات فكرية بيزنطية, وكأننا في الأندلس وعلي أبوابها فرديناند وكاترينا, وجميعها تصب في خانة صالح ومصالح حكام العالم الجدد الذين يعملون علي اللعب بشعوب العالم كما بيادق الشطرنج علي الرقعة الدولية.... هل من ترجمة عملية علي الأرض لهذا التنظير الفكري ؟ يضيق المسطح المتاح عن الإشارة إلي ثلاث هيئات أو جهات لا يستبعد المرء أنها لعبت ولا تزال أدوارا علي صعيد العالم العربي, وربما الأسوأ لم يأت بعد من قبلها. أولاها تلك المعروفة بجماعة أل ستاي بيهايند وهي شبكات التدخل الأمريكي والتي نشأت حول العالم من قبل الأمريكيين بعد الحرب العالمية الثانية للقضاء علي تأثيرات الحركة الشيوعية وهناك مصادر كثيرة أشارت إلي حقيقة هذه المجموعة. أما الشكل الهيراركي للشبكة فيتضح من خلال مذكرة سرية دونت من قبل المدير الأول للمكتب الخاص بها وهي مقسمة إلي خمسة فرق عملية: فرقة الحرب النفسية( الصحف, الإذاعة, الشائعات) فرقة الحرب السياسية( دعم حركات المقاومة في الدول الشيوعية, دعم التنظيمات في المنفي, دعم التنظيمات المعادية للشيوعية في الدول الحرة, التشجيع علي التنقل إلي الصفوف السياسية الأخري). فرقة الحرب الاقتصادية( منع استيراد الحاجيات الضرورية التحكم في الأسواق, السوق السوداء, التحكم في صرف العملة, التزوير). فرقة العمليات الوقائية المباشرة( مساعدة الانفصاليين, التخريب, مناوأة التخريب, القناصة, التدمير). فرق متعددة التخصص بعضها مغرقة في السرية وشديدة الحرفية وعالية الإمكانيات اقرب ما يكون للأشباح بالفعل. المشهد لا يتوقف عند الستاي بيهايند, فهناك أحاديث أخري ربما نتوقف معها لاحقا عبر قراءات مطولة عن هيئات مثل هيئة الديمقراطية الأمريكيةNED التي تحدث عنها جورج بوش الابن, واستخدم أذرعتها الخفية لإصابة العالم العربي في مقتل, وهناك كذلك مؤسسة ألبرت اينشتاين ذات التاريخ الطويل مع الانقلابات الناعمة والتي يترأسها ويروج لها الفيلسوف الأمريكي جين شارب. هل من قبيل المصادفة القدرية أم الموضوعية أن يكشف ايرفاند ابراهميان المؤرخ الرائد في إيران الحديثة هذه الأيام عن الدور الأمريكي في انقلاب عام1953 الذي تم برعاية انجلو أمريكية وأطاح برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق وهو ما أكدته وثائق أمريكية كشف عنها رسميا منذ أيام قلائل؟. لمزيد من مقالات اميل أمين