نعم هناك ما يسمى بالمؤامرة في التاريخ. فالاستعمار بكل أشكاله وكل أنواعه يؤكد المؤامرة؛ فالحروب الصليبية عام 1095م هي مؤامرة دبرها البابا أوربان الثاني في مدينة كلير مونتليتما للاستيلاء على الشرق وخيراته إنقاذاً لأوروبا من الحالة الاقتصادية المتردية . واتخذوا حماية بيت المقدس من المسلمين حجة تافهة وكذبة كبيرة واختراع اللعبة الصهيونية والبحث عن وطن لليهود القابعين في أوروبا وهم يمثلون لها مشكلة اقتصادية واجتماعية للتخلص منهم بوطن آخر. فقد تآمرت الصهيونية العالمية منذ مؤتمر بازل بسويسرا 1897 على احتلال فلسطين بحجة أنها أرض الميعاد لشعب الله المختار، وهو تزوير للتاريخ وغش في تفسير التوراة واختراق صهيوني أمريكي للمسيحية والمسيحيين. وقد اعتمد الاستعمار على تلفيق الحجج المتهافتة للاستيلاء على الأوطان واستغلال خيراتها والاستبداد بشعوبها. كما أن الدول الاستعمارية تُصاب بالضعف والتفكك في الوقت الذي تقوم فيه قوى استعمارية أخرى بوراثة الدور وإعادة الاستعمار. فبعد نتائج الحرب العالمية الثانية وبزوغ قوى جديدة وارثة للاستعمار الأوروبي ظهرت أمريكا في مواجهة السوفيت، وتحلل الاتحاد السوفيتي عام 1989 وتفردت أمريكا بالعالم في الوقت الذي تغيرت فيه أشكال الاستعمار من استعمار استيطاني عسكري إلى استعمار سياسي وثقافي واقتصادي. ومثلما اعتمد الاستعمار البريطاني على إنشاء دولة إسرائيلية استعمارية استيطانية لتفتيت الوطن العربي شرقا وغربا لحماية المصالح البريطانية في المنطقة، فعلت وواصلت أيضا أمريكا نفس الدور وأصبحت إسرائيل الولاية الواحدة والخمسين. والأهداف الأمريكية في المنطقة هي الاستيلاء على بترول العرب وعلى مقدراتهم الاقتصادية والجغرافية وضمان الولاء السياسي للمنهج الأمريكي لإقامة القواعد الأمريكية في المنطقة، والعمل على حفظ مصالحها الاستراتيجية لحماية إسرائيل والعمل على تفوّقها على جميع دول المنطقة. ولا يكون هذا ولا يكتمل إلا بإعادة تفتيت منطقة الشرق الأوسط على أساس طائفي حسب المخطط الصهيوني المعلن عام 1979. وهنا سارت واجتهدت أمريكا في تنفيذ ذلك المخطط بكل شراسة وبمنهجية استعمارية ماكرة. وطرحت الحجج ولفّقت كل الأكاذيب واستغلت كل الظروف وأعملت كل عوامل الضغط العربي وعلى رأسها عزل مصر عن محيطها العربي بعد كامب ديفيد 1979. فكان لأمريكا وإسرائيل ما أرادا. وتم احتلال العراق بحجة ثبت كذبها وانتهى الأمر إلى بتفكيك العراق إلى ثلاث دول بعد انتشار الفوضى التي قضت على ثاني دولة من حيث القوى العسكرية. ناهيك عن وضعها كثاني دولة في العالم من حيث احتياطي البترول. وكذلك جاءت السودان للسيطرة على منابع النيل. وضاع الصومال. وما زال لبنان يعيش على سطح صفيح ساخن. ناهيك عن استغلال أمريكا الدائم والمستمر لما يحدث في مصر وتونس وليبيا. حيث هناك نتائج موحدة بينهم وهو تفكيك النظام وإسقاطه والتعثر في بناء نظام جديد بما يخيف من حدوث فوضى في تلك البلاد وفي المنطقة كلها. وبعد احتلال العراق طرحت أمريكا وأعلنت رايس 2004 في القاهرة ما يسمى بالفوضى الخلاقة وهي تعني التفكيك وإعادة البناء على الطريقة الأمريكية. وهنا لا يوجد ما يسمى بالفوضى الخلاقة.. فالفوضى هي الفوضى. كما أن الهدم سهل والبناء صعب. فهي لا تريد البناء بعد الهدم لدول المنطقة سواء أن يكون بناء على الطريقة الأمريكية حسبما أعلنوا. وبالتالي ستكون النتائج لصالح أمريكا وبالأصح لصالح إسرائيل وهنا لا بد أن نذكّر بموقف أمريكا من إعلان الدولة الفلسطينية بالتهديد بالفيتو. فهل نعي ذلك؟ وهل مِن توافق حتى نعيد البناء؟ وهل مِن توحّد حتى نتصدى لأمريكا وإسرائيل حتى لا يتحول الربيع العربي إلى شتاء عربي قارس؟!!