لم يسلم منهم أي عصر في تاريخ الاسلام, يبثون سمومهم ويشعلون الفتن ويزهقون الأرواح بكلمة واحدة تخرج من أفواههم.. يحلون نقض العهود أو زواجا حرمه الله, أما قتل المعارضين فيعد تقربا إلي الله. غرضهم الأسمي ارضاء السلطان او الأمير..ليفوزوا بنعيمه وذهبه ودراهمه ويتجنبوا سخطه وسيفه, يقبلون يديه ويدعون له بطول العمر ويرفعونه الي مصاف الانبياء.. ويتوعدون الرعية بسوء العذاب, ولا مانع من اخراجها من الملة ان هي اعترضت او تمردت.. هم ما درجت كتب التاريخ علي وصفهم بمشايخ السلطان او فقهاء السلطان, ولقد شاء الله لمصر ان بيتليها بهؤلاء المشايخ علي مر تاريخها وها هي الان تدفع الثمن منأرواح خيرة شبابها واجنادها, وتحولت اراضيها الي مشرحة مفتوحة لعدد لا نهائي من الجثث اغلبها لضحايا فتاوي هؤلاء المضللين, بعد ان صوروا لهم زورا بانهم يدافعون عن دين الله.. من يرصد فتاوي فقهاء سلطان محمد مرسي علي مدي عام كامل, يتبين له ان شيئا لم يتغير عن فتاوي فقهاء عصر الأمويين أو العباسيين او العثمانيين او المماليك او غيرها من عصور الدولة الإسلامية, فالحجج والتشبيهات والأوصاف للمعارضين واحدة, والأحكام الشرعية في المخالفين ثابتة, والسبب ببساطة أن سمات شخصية فقيه السلطان وعقيدته واحدة لا تتغير, وعنها يقول الكاتب العراقي الراحل علي الوردي في كتابه الشهير وعاظ السلاطين الصادر في خمسينيات القرن الماضي برع الفقهاء فيما يسمونه الحيل الشرعية فهم يستطيعون أن يجدوا مسوغا شرعيا لكل عمل مهما كان دنيئا, وإذا وجدوا السلطان مصمما علي ذلك العمل اسرعوا الي ما في جعبتهم من الآيات والآحاديث المتناقضة فينفضونها أمامه ليختار منها ما يلائمه.. والله غفور رحيم! ويسرد الوردي في كتابه رواية تعكس نمط شخصية المشايخ المنحازين للسلطان دون تفكير فيقول يحكي ان نساء الحسين وبناته سبين بعد مقتله وجيء بهم الي الشام باعتبارهم سبايا أمير المؤمنين يزيد بن معاوية, فقال لهن شيخ متدين: الحمد لله الذي أهلككن وأمكن امير المؤمنين منكن, لكن يقال أن الشيخ علم بعد ذلك أن السبايا من أهل بيت رسول الله فبكي وتالم, اي انه لولا نسلهن, لما استحقين الرحمة.. بداية الفتنة شرر الفتن بدأ يظهر في عهد خليفتي رسول الله عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب- رضي الله عنها- عندما ادعي أطراف الصراع علي الخلافة- وهو صراع سياسي بلا شك- احتكامهم إلي شرع الله, فهذا يدعي ان الله بجانبه, والآخر يزعم ان الله سينصره.. ويأتي الأمويون والعباسيون ليجعلوا من الفتوي سلاحا سياسيا جبارا, لتدعيم شرعية حكمهم, وامتزج الصراع علي السلطة بالصراع الديني المذهبي فأصبحت كل فرقة سياسية هي في الوقت ذاته فرقة دينية مذهبية, والفضل كل الفضل- يعود إلي شيوخ وفقهاء ووعاظ السلاطين أصحاب الفتاوي الجاهزة, ليصل الأمر كما تحكي لنا كتب التراث أن الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك استفتي فقهاءه: هل يحاسب الله الخلفاء يوم القيامة علي أفعالهم؟, فأفتي له أربعون فقيها بأنه لا حساب علي الخلفاء يوم القيامة, ولا يجوز تقييم الخليفة بأعماله بل يكفي نيته, ولعل أصحاب معاوية بن أبي سفيان عندما رفعوا كتاب الله علي أسنة رماحهم محتمين به في معركة صفين في محاربتهم علي بن أبي طالب, قد ارسوا المبدأ وقدموا النموذج والقدوة لهؤلاء المشايخ, فهي كناية عن الإرهاب المعنوي لكل المخالفين بإسم الدين.. وينقلنا الدكتور علاء رزق- رئيس قسم التاريخ بكلية الاداب بجامعة دمياط- الي فتاوي العلماء في عصر سلاطين المماليك, فيذكر أن الدولة المملوكية كانت بحاجة إلي فتاوي العلماء سواء كانت شرعية أو غير شرعية وذلك للتغلب علي الصراع علي السلطة بين الامراء المماليك, فضلا عن ترسيخ هيبة الدولة في نفوس الرعية وإرهاب ذوي الطموحات السياسية والإقتصادية, ولهذا كان لأهل العمامة دورا حيويا في تدعيم السلطة الحاكمة وخطب ودها عن طريق الافتاء لصالحها لدرجة وقوعهم في كثير من المتناقضات, وتبدلت مواقفهم حسب ما تؤول اليه الصراعات الدامية بين الامراء مثلما حدث في عهد السلطان فرج بن برقوق عام1410 ميلاديا, حيث افتوا بوجوب تاييد الأمير المؤيد شيخ بدلا من السلطان فرج, ثم مالبثوا ان نقضوا فتواهم, ونادوا الرعية لمحاربة هذا الامير, بحكم الشرع ايضا. وقد افاض المماليك الجراكسة والكلام للدكتور علاء- في توظيف الفتوي لخدمة السلطان حتي لو ادي ذلك إلي ازهاق الأرواح عندما أفتوا في عام1423 بإراقة دم السلطان فرج بن برقوق, وكان الحاكم اذا عزل احدا من منصبه بسبب معارضته والخروج عليه, يأتي بمفتين يحكمون بفسقه, والطريف أن من كان يتصدي من علماء الدين الاتقياء لتلك الفتاوي كان فقهاء السلطان يفتون بعدم صلاحيته للفتوي! ويضرب لنا الدكتور علاء مثالا علي توظيف الفتوي في تدعيم قرارات الحاكم او تبرير سوء ادارته للبلاد, فيقول رغم البذخ الواضح في قصور الامراء في نهاية العصر المملوكي, إلا أن البلاد كانت تعاني عجزا ماليا شديدا, فلجأوا إلي إرهاق كاهل الرعية بالمزيد من الضرائب والمكوس وامتدت أيديهم إلي أموال الأيتام والورثة والأوقاف, واستطاع بعض علماء الدولة تكييف الشرع لارضاء السلاطين, وتبرير ممارساتهم الخاطئة, ويعزون سوء أحوالهم المعيشية الي ذنوبهم, وعندما كانت تقع مجاعة أو وباء, كانوا يقولون أن الطاعون يحل بالبلاد التي يتفشي فيها الزنا, فيأمر الحاكم الولاة بتتبع النساء في الطرقات لضربهن. مشايخ السلطان الجدد لم يتغير مشايخ السلاطين عن أسلافهم لكن حظهم أوفر بالطبع, حيث استفادوا من مزايا عصر القنوات الفضائية والانترنت, و مزيد من الانتشار يعني مزيدا من الضرر. مشايخ السلطان محمد مرسي نشطوا قبل أن يتولي عرش مصر, وتفوقوا بجدارة في تقديم كل الحيل- كبهلوانات السيرك- من أجل تعضيد حكمه وارهاب معارضيه, وبعد عزله واصلوا بث سمومهم, ليحولوا البلاد الي قطعة من جهنم وحمامات من الدم, زاعمين أنهم يدافعون عن الحق والإسلام وشريعة الله, فإما أن يحكم سلطانهم وإلا فالهلاك لشعب مصر! الإرهاب باسم الدين قاده هؤلاء المشايخ والوعاظ في انتخابات الرئاسة في2012, عندما أفتي احدهم بوجوب إدلاء المصريين بأصواتهم لصالح مرسي باعتباره المرشح الذي أيده علماء الأمة وقادتها, وجاء السلطان المؤمن مرسي الملتحي المصلي, وارتقي به مشايخه إلي درجة الأنبياء وصحابة الرسول, وكان من بين الكلمات الفجة التي قالها أحد مشايخه من يحب الرسول أحب خطاباتك ومن لا يؤمنون لم يرضوا عن خطاباتك, والنخبة مثل الصراصير والفئران, يكرهون الإسلام والدين, وأضاف: يا فخامة الرئيس دول أقل من جزمتك, فخامة الرئيس خد قراراتك بعد أن تصلي صلاة استخارة ولا تستمع للنخب, وتابع: وجود امرأة أو قبطي في المؤسسة الرئاسية لا يجوز, لأنه حرام شرعا., بينما اكد مفتي الجماعة التي ينتمي لها السلطان مرسي ان القدس ستحرر علي يد محمد الثالث! اما رموز المعارضة السياسية فقد تم اهدار دمها, حيث افتي احدهم بإن القتل هو حكم شريعة الله في اي عضو من أعضاء جبهة الإنقاذ وقياداتها التي تبحث عن الكرسي. مشايخ السلطان جعلوا التصويت لحزب النور في الانتخابات البرلمانية صدقة جارية لمئات السنين, وعدم التصويت سيئة جارية, واذا كان بعض الوعاظ ظهروا في عهد السلطان مرسي, فهناك من أكلوا علي جميع الموائد, فالذي حرم الخروج علي الرئيس مبارك وأحل توريث الحكم لنجله وأهدر دماء من يعلنون العصيان علي نظامه لأنه يؤدي الي فتنة ودماء, هو ذاته الذي أفتي بتحريم الزواج من الفلول لأنهم أفسدوا في الأرض, واعتبر الانضمام لحزب الحرية والعدالة صورة من صور العبادة والتقرب إلي الله! والعكس صحيح أيضا فالذين دعوا للخروج علي الرئيس مبارك لفساده هم أنفسهم الذين حرموا الخروج علي السلطان مرسي لأن الخروج علي الحاكم المنتخب معصية وفتنة كبري. وسمعنا من وصف قاطعي الطرق من أجل المطالبة بحقوقهم ويعطلون مصالح المسلمين بانهم آثمون لأن القاعدة الفقيهة تقول لا ضرر ولا ضرار, لكنه نسف كل ذلك وأيد معتصمي رابعة والنهضة الذي عطلوا أيضا مصالح الالاف من المواطنين للمطالبة بما يرونه حقا, بل وطالبهم بالثبات في الميادين. ولم يغب فقهاء السلطان عن المشهد السياسي أثناء الاستفتاء علي الدستور, حيث أكد احدهم أن من يقول لا فهو شاهد زور, لأنهم لا يريدون تطبيق شريعة الله في الأرض ومن يريدون المقاطعة هم كاتمو الشهادة وعليهم إثم بل وطالب هو نفسه بمقاطعة صحف الفلول واستبدالها بصحيفتي الحرية والعدالة, والمصريون, لان أموال الأولي تعود لمحاربة الإسلام. المشهد الاخير بدأت كتيبة مشايخ السلطان محمد مرسي تبث كل انواع الفتاوي المسمومة المغلفة برائحة الدم مع ظهور دعوة تمرد للتظاهر يوم30 يونيو الماضي, ووصل بهم الامر لمطالبة القوي الاجنبية بالتدخل لحماية انصار السلطان المعزول.. السلطان الذي أمن علي دعاء أحد مشايخه علي من سيخرج ضده يوم30 يونيو, ودعوته للشعب للخروج لنصرة السلطان,الذي هو بطبيعة الحال خروج لوجه الله ونصرة لرسوله, بل وافتي ان من يقتل دفاعا عن الشريعة والشرعية فهو شهيد. وسمعنا عجب العجاب علي منصات اعتصامي رابعة والنهضة فمنهم من افتي بان الاعتصام لنصرة الشرعية أهم من الاعتكاف في المساجد خلال رمضان,ولا يجوز ترك الواجب من أجل السنة, ولا يجب ترك الميدان إلا بعد عودة السلطان طبقا لما دعت إليه الشريعة, ومن أهان السلطان أهان الله, فضلا عن فتاوي تكفير قادة القوات المسلحة, وارتدادهم عن الدين هم وكل من يساندهم او يتفاوض معهم, والتأكيد علي أنهم يشنون حربا ضد الإسلام وعليهم التصدي لأعداء الدين, وقال اخر ممن تسبب بكلماته في قتل المئات إحنا عندنا استعداد أن يموت مننا مليون.. مفيش مشكلة, ويزين فكرة الشهادة الوهمية لمستمعيه: يا تري مين هيفطر عند ربنا النهاردة؟ بينما طمأن آخر المعتصمين قائلا لو جاءت مدرعات الشرطة والطائرات, ليلقوا علينا السم, فلا تخافوا, نحن معنا الآن ملائكة الله ترفرف بأجنحتها علي الاعتصام. أما من وهنت عزيمته ونفذ صبره من عودة السلطان فقد حذره احد المشايخ بانه بذلك يكون اثما لأن وعد الله ريب فيه. واستمرارا للتضليل وتغييب العقول وغسيل الأدمغة وتخديرها خرج مشايخ السلطان علي أنصارهم ليؤكدوا لهم ان بعض الصالحين في المدينةالمنورة أبلغهوهم برؤيا أن جبريل عليه السلام دخل مسجد رابعة العدوية ليثبت المصلين, وأنهم رأوا مجلسا فيه الرسول الكريم, والرئيس مرسي والحضور, فقدم الناس الرسول ليؤم الصلاة ولكن الرسول قدم مرسي!, وهناك رؤيا الحمامات الثمانية علي كتف مرسي وتأويلها بأنه سيكمل مدة8 سنوات, وغير ذلك الكثير من الفتاوي والأحاديث المضللة والتحريضية علي المزيد من القتل والدماء والحرق وانتهاك حرمات بيوت الله والتخريب, والزعم زورا بأن ذلك إنما هو من أجل الدفاع عن الله.. وصدق عالم الاجتماع ابن خلدون عندما قال إن الفقيه إذا دخل علي السياسة أفسدها و أفسدته.