أكتب اليوم من مدينة فرانكفورت الألمانية عن صورة مصر السياسية والسياحية في الخارج. فقد شاءت الظروف أن أتواجد طوال الاسبوعين الماضيين في زيارة لعدد من الدول الأوروبية آخرها ألمانيا.. وكنت قد وصلت إلي مدينة فرانكفورت قادما من روما صباح يوم الأربعاء41 أغسطس, وهو يوم فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. وكانت صدمتي كبيرة فيما لاحظته في وسائل الاعلام الألمانية تليفزيون وصحافة من انحياز كامل لوجهة نظر الإخوان المسلمين ووقوعهم في فخ أن هذه الاعتصامات سلمية رغم ماهو واضح من انها مسلحة. إن أبسط ما يمكن وصفه لهذه الحالة الاعلامية العجيبة انها كانت بمثابة عاصفة هوجاء علي مصر أو قصف إعلامي مباشر ومتواصل انحيازا للموقف السياسي الألماني الرسمي المنحاز لجماعة الاخوان المسلمين.
إن متابعة هذا القصف الإعلامي علي مدي أسبوع تجعلك تشعر بالظلم عن عدم قول الحقيقة وعدم الموضوعية والانحياز مما يصيبك في النهاية بالحزن والألم علي هؤلاء الذين يتباكون علي الديمقراطية وحقوق الانسان. وهم أبعد ما يكون عن ذلك عندما يتعلق الأمر بمصالحهم. إن كل المصائب كما تقول دروس التاريخ تأتي من وراء عدم الاستقرار السياسي بداية من القتل والتدمير والخراب الاقتصادي وإنتهاء بالانهيار السياحي, فالسياسة تقتل السياحة أحيانا.. فلا سياحة بدون استقرار وأمن.. والسياحة المصرية وما تتعرض له الآن من انهيار خير دليل.. فبعد ثورة30 يونيو وما أعقبها من اعتصامات وعنف وقتل عشوائي في شوارع مصر من جماعة الإخوان المسلمين.. ضرب الخوف شركات السياحة العالمية, ثم ما لبثت الدول الكبري مثل المانيا وايطاليا وفرنسا وانجلترا وروسيا إن قامت بتحذير سائحيها من زيارة مصر. المهم إن هذه الهجمة الإعلامية الشرسة ضربت السياحة المصرية في مقتل.. لأن وسائل الإعلام الألمانية غير قادرة علي استيعاب ما حدث في مصر في الثلاثين من يونيو2013 علي انه ثورة متكاملة قام بها الشعب المصري رافضا الوصاية عليه باسم الدين أو حتي باسم انتخابات يقال عنها انها ديمقراطية, ولاتزال غير مدركة لطبيعة المرحلة التي تمر بها مصر من حيث كونها مرحلة للأهداف الحقيقية التي من أجلها قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير. إن بعض وسائل الإعلام تتبني رؤية غير موضوعية, بل أننا لن نبالغ في وصفها رؤية منحازة في وصف المشهد المصري, حيث تصدر الصحف والجرائد يوميا بعناوين قد صيغت من وجهة نظر غير محايدة مثل مايلي: الموقف يتصاعد.. الحكومة تؤكد مقتل المئات.. هجوم علي أماكن الاعتصام والجيش يحيط بالقاهرة.. قنص لمندوبي وسائل الإعلام.. أيام دامية بالقاهرة.. تصاعد وتيرة عنف بالقاهرة, وغيرها من العناوين التي تشيع جوا من الخوف بين السائحين الألمان.. بل ان الأمر تعدي ذلك كله إلي محاولة تضليل الرأي العام, حيث قامت احدي الصحف بلد بنشر صورة لمصطافين مصريين في مدينة الإسكندرية والذين تتصاعد من خلفهم سحب الدخان والغاز الناتج عن الصدامات, وقد عنونت تلك الصورة بعنوان مضلل وهو المصطافين الألمان في أرض الخوف.. ومن البديهي أن من ينظر إلي الصورة ويكتفي بقراءة العنوان سوف يظن للوهلة الأولي أن الصورة تخص السائحين الألمان في أحد شواطئ الغردقة, ولكن من يستمر في قراءة متن الخبر سوف يدرك انها لاتمت للغردقة بصلة, بل هي لمصطافين مصريين ومن الاسكندرية والتي يبعد أكثر من007 كم عن الغردقة وهي أكثر من المسافة بين مدينتي ميونيخوبرلين الألمانيتين. وعلي المستوي الحكومي فقد قامت وزارة الخارجية الألمانية باصدار تحذير ينصح بالعدول عن السفر لكل مصر بما فيها شرم والغردقة مع تشديد التحذير لمناطق القاهرةوالاسكندرية والاقصر وأسوان والمناطق الحدودية والدلتا. وقد ألقي ذلك كله بصورة قاتمة علي المقصد والمنتج السياحي المصري, حيث قام الكثير من منظمي الرحلات وخاصة الكبار منهم مثل alltours,thomascook,tui بإلغاء جميع رحلاتهم إلي مصر إلي منتصف سبتمبر, ومن ثم تراجعت نسبة الحجوزات تراجعا حادا مع تزايد نسبة الالغاءات السياحية. علي الجانب الآخر أعلن بعض منظمي الرحلات مثل(ftiSchauinsland) استمرارهم في بيع المقصد السياحي المصري يساندهم في تلك الخطوة شركات طيران عارض مثل صن اكسبريس والتي أعلنت عدم تخفيض سعة الطيران العارض للغردقة ومرسي علم وشرم الشيخ. وهكذا فالشركات الكبري مثل توي وتوماس كوك ينكرمان انحازت للموقف السياسي.. لكن شركات أخري مازالت متمسكة بمساندة مصر وبمصالحها المشتركة مثل إف تي آي وتشاونس لاند, وكذلك ريفا التي كانت تستعد لموسم شتوي كبير لكنها مازالت تحاول التماسك والاستمرار بالعمل في مصر. في ظل هذه العاصفة الاعلامية ضد مصر والقصف الاعلامي المتواصل علمت في فرانكفورت من محمد جمال مستشار مصر السياحي أن السيد هشام زعزوع وزير الساحة يبذل جهودا كبيرة يوميا في حوارات تليفونية شخصية مع كبار الإعلاميين والصحف الألمانية المتخصصة في السياحة حيث يقوم بشرح الواقع لهم مع تأكيده أن مقاصد مثل شرم الشيخ والغردقة ومرسي علم, بعيدة عن العنف, وأن السياح بشكل عام بعيدون عن هذه الأحداث ويعاملون باحترام شديد. كما قام السفير محمد حجازي والمستشار السياحي بالاجتماع مع كبار منظمي الرحلات في برلين وهامبورج وفرانكفورت لاقناعهم باستمرار التعاون السياحي مع مصر.. لكن المشكلة أن وسائل الإعلام الألمانية لاتبدي أي تعاون في نشر التوضيحات وحقائق الموقف والردود التي يبعث بها المكتب السياحي الي الصحف والتليفزيونات بشكل فيه تحيز شديد ودون مبرر لكن محاولات التفاهم مع الاعلام الألماني مستمرة وربما تشهد الأيام المقبلة زيارة مجموعة من اتحاد الكتاب السياحة الألماني للتعرف علي الواقع المصري كما يتم التخطيط لزيارة وزير السياحة لألمانيا خلال الشهر المقبل لعقد مؤتمر صحفي وحوار مع كبار منظمي الرحلات. لكن المشكلة الأخري أن شركات السياحية الألمانية الكبري كانت قد أعلنت بعد تحذيرات السفر الي مصر حتي15 سبتمبر المقبل عن امكانية أن يقوم عملاؤها او السائحون بتغيير رحلاتهم الي دول اخري غير مصر خلال موسم الشتاء المقبل بالكامل دون رسوم ودون ضياع حجوزاتهم وهو ما يؤكد صعوبة موسم الشتاء المقبل للسياحة المصرية. كما أن شركات طيران عارض كبري مثل كوندر وتوي فلاتي قررت وقف الحجز علي رحلاتها حتي15سبتمبر المقبل وبالتالي تحول السائح الألماني الي مقاصد بديلة علي رأسها تركيا وأسبانيا واليونان. إن أهمية ألمانيا للسياحة المصرية أنها تقود الحركة السياحية من اوروبا إلي مصر بل إلي العالم كله حيث إن بها أكبر شركات سياحة في العالم كما أن الألمان بطبعهم أكبر شعب في العالم لم يسافر للخارج. وهكذا فان الموقف السياسي الألماني المنحاز لجماعة الإخوان المسلمين وهذا القصف الاعلامي المباشر والمتواصل ضد مصر قد أثر بشكل مباشر علي شركات السياحة الألمانية الكبري كما أوضحنا والتي أوقفت رحلاتها الي مصر وبالتالي انهارت الحجوزات المقبلة الي مصر لتبقي الحقيقة المؤكدة أن السياسة تقتل السياحة أحيانا.