جاء في ألف ليلة وليلة أن صيادا عندما سحب الشبكة من البحر, وجد بها قمقما, فلما فتحه خرج منه عفريت عملاق أصر علي قتل الصياد, ووسط الدموع والتوسلات قال الصياد: تقتلني وأنا الذي حررتك من السجن والخوف؟, فرد العفريت الأحمق: نعم.. يجب أن تموت, وهكذا فعل الإخوان مع المصريين الذين أخرجوهم من القمقم! غير أن الحكاية في ألف ليلة وليلة لم تتوقف عند هذا الحد, بل كانت لها بقية: إن الصياد الإنسي كان أذكي وأدهي من العفريت وأنضج( ودائما البشر يكونون في ألف ليلة أذكي من العفاريت!), فظل الصياد يحايل ويناقش ويحاور, وقال للعفريت: لو كنت قويا كما تزعم أرني كيف دخلت وأنت العملاق هكذا إلي داخل القمقم الضئيل هذا.., فعاد الجني المتغطرس, بسبب غروره وتعاليه وقلة خبرته, إلي القمقم من جديد, عاد إلي أصله محبوسا مقهورا محظورا, وهكذا أيضا أعاد المصريون الإخوان إلي القمقم من جديد! إلا أن الحدوتة لم تنته عند ذلك, بل كانت لها بقية: إذ أن عفريت ألف ليلة بعد عودته للحبس, راح يلطم ويتوسل, وتعهد صادقا بأنه لو أخرجه الصياد من القمقم مرة أخري, فلسوف يجعله أغني الأغنياء, فهل يفعلها المصريون في قادم الأيام, ويعيدون الإخوان إلي الحكم من جديد؟ وإن هم فعلوا, فهل يصدق الإخوان العهد هذه المرة ويغيرون منهجهم وسلوكهم ونظرتهم للآخرين؟ إن ألف ليلة وليلة لم تقل لنا ماذا كان مصير العفريت الجني بعد أن أخرجه الإنسي من محبسه, لكننا يمكن أن نتخيل ماذا يمكن أن يفعله الإخوان بنا لو عادوا من جديد, ونستطيع في هذا الصدد الاسترشاد بمشاهد الحرق والتعذيب, واستخدام الرصاص الحي, وإلقاء المواطنين العزل من أسطح المباني, ومن فوق الكباري, وقطع السكك الحديدية! ألف ليلة وليلة لم تشغل نفسها كثيرا بالإجابة عن سؤال مهم جدا: لماذا أراد العفريت إيذاء الشخص الذي حرره وأعاده للحياة مرة أخري؟ وهل هذا منطقي أن تعاقب من حررك, وتسعي لاستعباد من خلصك من العبودية؟ نعم.. هناك منطق وراء ذلك, فاقرأ, وفكر, وتدبر أنار الله بصيرتك: الجني في ألف ليلة, ظل محبوسا في القمقم آلاف السنين( منذ أيام سيدنا سليمان عليه السلام), وكذلك حبسوا الإخوان لعشرات السنين, وكما هو معلوم, فإن مشاعرك وأحاسيسك وأفكارك, وأنت( حماك الله) في السجن, تدور حول ثلاث أفكار أساسية, أولاها: كراهية الآخر الذي حبسك, وثانيتها: رغبتك المسيطرة عليك في الانتقام منه, وثالثتها: إيمانك المتزايد المتصاعد بنفسك أنت وحدك, ومن ثم رفض الآخرين! وحتما ستتساءل سيادتك: لماذا يكرهوننا وقد انتخبناهم, وبوأناهم كرسي الرئاسة, وكراسي البرلمان, وكراسي القيادة في المؤسسات؟ الواقع أن المسألة بعيدة تماما عن الحب والكراهية, المسألة ببساطة أنك عندما تقبض علي السلطة بعد طول حرمان, يصيبك شران: الأول: أنك تريد الاستحواذ عليها بأي ثمن, وبكل ما تملك, كي لا تضيع منك من جديد, فإذا بك تضيعها دون أن تدري. والثاني: أنك ترغب في حرمان من حرموك منها من قبل, فيتحول هؤلاء الآخرون( الأغيار) إلي أعداء لك, لكنك وأنت تسعي لحرمانهم وإقصائهم فإنك تدفعهم دفعا للعمل ضدك وإفشالك, وهذا بالضبط ما جري مع الإخوان خلال فترة حكمهم, التي لم تدم لأكثر من عام بالتمام والكمال. ومن هنا عاد الإخوان, كما عاد الجني, إلي القمقم مرة أخري, فماذا بعد العودة؟ ليس أمام الإخوان سوي سبيلين اثنين, إما أن يعترفوا بهزيمتهم, وأن يبدأوا في تغيير منهجهم في التفكير, وينخرطوا في عملية سياسية حسب قواعد اللعبة التي اتفق عليها الآخرون الأكثر عددا وإمكانات, ومن ثم ينسون رغبتهم في الثأر والاستحواذ, وبالتالي تتجدد فرصتهم في الحكم, وهذا ما لن يفعله الحرس القديم عندهم, بل أجيال شابة جديدة منهم! أو أن يواصلوا عنادهم, ورفضهم للآخر, ونظل هكذا في لعبة الخروج من القمقم, ثم العودة إليه, ثم الخروج من جديد, فماذا ستختارون؟ الخيار لكم فاختاروا! لمزيد من مقالات سمير الشحات