أبو جعفر عبد الله المنصور(217-577) واسمه الكامل عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم, ثاني خلفاء بني العباس وأقواهم, اشتهر المنصور بتشييد مدينة بغداد التي تحولت لعاصمة الدولة العباسية, وتولي الخلافة بعد وفاة أخيه السفاح عام457 م حتي وفاته في عام577 م. كان الهم الأكبر للمنصور أثناء حكمه هو تقوية حكم أسرة بني العباس, والتخلص من أي خطر يهدد سيطرتهم حتي لو كان حليفا سابقا مثل أبو مسلم الخراساني الذي قاد الثورة العباسية ضد الأمويين في خراسان. ويعتبر أبو جعفر هو المؤسس الحقيقي للدولة العباسية, ولا شك أن الفترة التي قضاها المنصور في الخلافة العباسية تعتبر من أهم عصور الخلافة, فقد حكم ما يقرب من22 عاما, حكما قويا وركز الخليفة فيها جميع سلطات الدولة في يده. يقول ابن طباطبا في الفخري, هو الذي سن السنن وأرسي السياسة واخترع الأشياء, وسار أبناؤه الخلفاء من بعده علي مسيرته; وهو فوق ذلك جعل لبني العباس سندا شرعيا في وراثة الدولة, أعطت لهم السبق علي أبناء عمهم الطالبيين تمثلت في المكاتبات بينه وبين محمد بن عبد الله بن الحسن الملقب بالنفس الزكية, ويتلخص ذاك السند في الفتوي بأن العم أحق في الوراثة من البنت وابن العم ويقصد بذلك فاطمة الزهراء, وعلي بن أبي طالب, كما أن المنصور هو من سن السياسة الدينية وجعلها أساسا لحكم العباسيين وذهب في ذلك إلي أبعد حد حتي قال إنما أنا سلطان الله في أرضه. ولد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس سنة(59 ه=417 م)في قرية الحميمة التي تقع في معان جنوب الأردن, ونشأ بين كبار رجال بني هاشم الذين كانوا يسكنون الحميمة, فشب فصيحا عالما بالسير والأخبار, ملما بالشعر والنثر. وكان أبوه محمد بن علي هو الذي نظم الدعوة العباسية, وخرج بها إلي حيز الوجود, واستعان في تحركه بالسرية والكتمان, والدقة في اختيار الرجال والأنصار والأماكن التي يتحرك فيها الدعاة, حيث اختار الحميمة والكوفة وخراسان. حين نجحت الدعوة العباسية وأطاحت بالدولة الأموية; تولي أبو العباس السفاح الخلافة سنة(231 ه==947) واستعان بأخيه أبي جعفر في محاربة أعدائه والقضاء علي خصومه وتصريف شئون الدولة, وكان عند حسن ظنه قدرة وكفاءة فيما تولي, حتي إذا مرض أوصي له بالخلافة من بعده, فوليها في( ذي الحجة631 ه== يونيو457 م) وهو في الحادية والأربعين من عمره. بنا الخليفة أبو جعفر المنصور مدينة بغداد, علي شكل دائرة وأطلق عليها اسم( مدينة السلام) أو( دار السلام) وتم بناء المدينة في أربع سنوات من(941-451) علي شكل دائرة يحيط بها سور يسمي السور الأعظم وأربع بوابات البوابة الأولي تسمي باب الشام, التي تقود إلي بلاد الشام والبوابة الثانية تسمي باب الكوفة, التي تقود إلي محافظة الكوفة, والبوابة الثالثة تسمي باب البصرة, التي تقود إلي محافظة البصرة, والبوابة الرابعة باب خراسان, الذي يقود إلي الفارسيين أو دولة إيران, وداخل المدينة كان هناك جامع المنصور, الذي كان مربع الشكل ودواوين الحكومة ومساكن الناس والجيش ونشطت الحركة العلمية حيث وصلت الحضارة العباسية إلي أوج عظمتها. من الأعمال الجليلة التي تذكر للمنصور, عنايته بنشر العلوم المختلفة, ورعايته للعلماء من المسلمين وغيرهم, وقيامه بإنشاء' بيت الحكمة' في قصر الخلافة ببغداد, وإشرافه عليه بنفسه ليكون مركزا للترجمة إلي اللغة العربية. ذهب الخليفة المنصور للحج عام(851 ه-577 م), وكان ابنه محمد' المهدي' قد خرج ليشيعه في حجه, فأوصاه بإعطاء الجند والناس حقهم وأرزاقهم ومرتباتهم وأن يحسن إلي الناس, ويحفظ الثغور, ويسدد دينا كان عليه مقداره ثلاثمائة ألف درهم, كما أوصاه برعاية إخوته الصغار, وقال إنني تركت خزانة بيت مال المسلمين عامرة, فيها ما يكفي عطاء الجند ونفقات الناس لمدة عشر سنوات. مرض المنصور في الطريق, وقبل أن يدخل مكة توفي علي أبوابها.