أصبح أكثر ما يلفت نظر عاشق السفاري في صحراء مصر الشرقية بطول سلسلة جبال البحر الأحمر حتي حدود السودان الدهابة وهم فرق البدو من القبائل التي تقطن المنطقة. أو بعض القبائل السودانية التي تخترق الحدود ومتخصصة في استخلاص الذهب, وتقوم بالبحث والتنقيب عنه في الوديان والرمال والصخور مستثمرة خبراتها ومستعينة في ذلك بأجهزة حديثة تشبه أجهزة البحث عن الألغام, وقد يبدو ذلك لغزا ولكنه سرعان مايتبدد بعد معرفة الإجابة الغريبة التي تبدو أكثر غرابة, فهم يبحثون وينقبون عن الذهب ويشتهرون بهذا الاسم الدهابة منذ زمن بعيد, وتعني في قاموسهم الباحثين عن الذهب, وفي حال اكتشافهم صخرة أو منطقة بها كثافة من المعدن النفيس تبدأ عملية الإستخلاص البسيطة البدائية, وهي تعكس مدي ثراء تلك المناطق بالذهب مثلما هي ثرية بعناصر ومعادن أخري نفيسة أو اقتصادية, وإن كانت بدائية إلا أنهامتوارثة أجيالا من وراء أجيال, وعودة للدهابة فهم يرون أنهم يمارسون مهنة وعملا مشروعا, وعلي الرغم من ذلك يؤثرون عدم الإصطدام مع الجهات المسئولة خاصة الأمنية, وعلي النقيض نري من يجرم تلك المهنة خاصة أنها تتم بدون تراخيص أو حتي اعتبارها مهنة مشروعة, وهناك من يقوم بها من الأخوة السودانيين المتسللين عبر الحدود وعن سر الدهابة يقول الدكتور مصطفي القاضي خبيرالتعدين المصري:- بالفعل مهنة الدهابة من المهن القديمة جدا في الصحاري المصرية وخصوصا في سلاسل جبال البحر الأحمر, وأغلب الظن أنها متوارثة من عصور الفراعنة لأن الطريقة التي يتم استخلاص الذهب قريبة من تلك التي كان يستخدمها الفراعنة, والأكثر يعتمد علي الإستخلاص من عروق صخور الكوارتز التي تشكل أفضل الصخور ثراءا بالمعدن, وقد كانت طريقة الإستخلاص في الماضي تعتمد علي اكتشاف الذهب بالعين المجردة, أما الآن فهناك اجهزة اليكترونية اختصرت الوقت بل تعمل علي انتقاء المناطق التي يصل فيها تركيز الذهب لأعلي مستوياته وعلي الأعماق المناسبة للإستخراج والإستخلاص, وهذه الأجهزة الإليكترونية تشبه إلي حد كبير أجهزة الكشف عن الألغام ويتراوح ثمنها بين15 ألف جنيه إلي50 ألف جنيه حسب حساسيتها وقدرتها علي الكشف, ويتم استيرادها من الخارج ولها أسواقها المعروفة في السودان أو في مصر, والجهاز يتكون من جهاز مسح أرضي يسهل تحريكه بواسطة ذراع طولية في الوديان أو علي الرمال أو علي الصخور, والجزء العلوي ويشتمل علي مجموعة الرأس وتثبت برأس الهاب أو من يقوم بالبحث, وتلك المجموعة مزودة بسماعات للأذن تعطي ذبذبات وصوت معين يرتفع وينخفض تبعا لوجود وكثافة الذهب في منطقة البحث, وتلك الأصوات تحدد كذلك الأعماق الموجود عليها المعدن, وسعر هذا الجهاز يزداد أيضا مع زيادة قدرته علي كشف وجود الذهب علي أعماق أكبر وكميات أكثر, كما أن الجهاز مزود بعداد رقمي مثبت علي قمة ذراع التحريك بحيث يكون علي بعد مناسب للرؤية أمام عيني من يقوم بالبحث, وهذا العداد يرصد بدقة العمق الفعلي الموجود عليه الذهب وكمياته, فتتم عمليات الحفر بواسطة مثقاب( شنيور) ضخم ثم تبدأ عملية الإستخراج للصخور الحاملة للمعدن, وبعد الحفر والإستخراج تبدأ عمليات الغربلة وغسيل الركاز معدن الذهب الذي يتركز في النهاية حيث أن الذهب من المعادن ثقيلة الوزن فيرسوا في قاع الإناء المخصص لتجميع الذهب وعن تقييمه لهذه الطريقة يقول الدكتور مصطفي القاضي: هذا الآداء يؤكد أن الدهابة يعملون بطريقة جيولوجية سليمة إلي حد ما, بداية من عمليات البحث وفي انتقائهم للأماكن التي يفضلون التنقيب فيها, فالدهابة من البدو يقومون بتتبع الصخور الحاملة للذهب والتي تآكلت من الجبال الغنية بالمعدن, وتم ذلك عبر العصور الماضية خلال ملايين السنين, ثم ترسبت هذه الصخور في أرضيات الوديان من خلال مجار قديمة, كانت تجري فيها مياه السيول والأمطار, والدهابة لهم خبرة عجيبة من حيث معرفتهم وإلمامهم بكل تلك التفاصيل والمناطق والأكثر ثراءا بالذهب فيها, ولهم طريقتهم العجيبة في كيفية فصل الصخور والتربة عديمة القيمة عن الصخور الأثقل وزنا ذات الكثافة العالية والتي تحوي كميات من الذهب, ويقوم الدهابة بإعداد أحواض مبطنة بالبلاستيك يتم ملؤها بالماء ثم تتم بهاعملية غسيل الركاز الذي يتم جمعه من المناطق التي توصلوا إلي الذهب فيها, وبعد ذلك تتم عملية الطحن بواسطة معدات خاصة تثبت بموقع عملية الإستخلاص والتي تتم اختيارها بعناية فائقة, كما أن عملية تنقية الذهب فتتم بطرق يدوية أيضا.