يتميز الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن جامعة الأزهر بطريقة خاصة في عرض أقوال الفقهاء في القضايا الدينية, ويربط ما يحدث في الحاضر بنماذج من التاريخ الإسلامي, ليؤكد أن أزمات الأمة الإسلامية المعاصرة لها حلول تتحقق بوحدة الصف ونبذ الفرقة وإعلاء مصلحة الوطن. وفي حواره معنا أكد أنه إذا تعارضت مفسدتان وجب ارتكاب المفسدة الأدني لدفع المفسدة الأعلي, وشدد علي ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد, وأن ينطلق الجميع من مبدأ الحفاظ علي أمن وسلامة واستقرار الوطن, فمهما اختلفت الآراء, لابد أن يقوم العقلاء والحكماء بدورهم في حقن دماء المسلمين. يتميز الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن جامعة الأزهر بطريقة خاصة في عرض أقوال الفقهاء في القضايا الدينية, ويربط ما يحدث في الحاضر بنماذج من التاريخ الإسلامي, ليؤكد أن أزمات الأمة الإسلامية المعاصرة لها حلول تتحقق بوحدة الصف ونبذ الفرقة وإعلاء مصلحة الوطن. وفي حواره معنا أكد أنه إذا تعارضت مفسدتان وجب ارتكاب المفسدة الأدني لدفع المفسدة الأعلي, وشدد علي ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد, وأن ينطلق الجميع من مبدأ الحفاظ علي أمن وسلامة واستقرار الوطن, فمهما اختلفت الآراء, لابد أن يقوم العقلاء والحكماء بدورهم في حقن دماء المسلمين. ويؤكد أن العلمانية والليبرالية وغيرهما من المصطلحات التي تشير إلي الهوية السياسية لا يجب أن تكون سببا لتكفير الناس, مؤكدا أنه أيا كان معتقد الإنسان فلا يجوز لأحد أن يرميه بالكفر أخذا بظاهر حاله.. وإلي نص الحوار. كيف تري مستقبل تيار الإسلام السياسي, وهل سيعود أبناء الحركات الدعوية للمساجد, وكيف يمكن للناس أن تقبل خطابهم الدعوي؟ إطلاق لفظة الإسلام السياسي علي من يمارسون السياسة منطلقين من ثوابت دينهم, إطلاق غير دقيق, فإن المتفق عليه بين السلف والخلف, أن الإسلام سياسة وحكم, وتشريع وقضاء, وعبادة ومعاملة, وعقيدة وشريعة, وأخلاق وسلوك, ولكن الذي لا يقره الإسلام هو التحزب, إذ لم يعرف الإسلام مسماه ولا يقر بمبدئه, لأن أوامر الشرع تقتضي وجوب الاعتصام بحبل الله تعالي, وعدم التنازع أو التفرق, ومن شأن التحزب العصف بكل ما أمر به الشارع, ولذا فلا يمتنع أن يكون الداعية ممن له رأي في السياسة, باعتبار أن أصلها شرعي, وهو عارف بأحكام الشرع, ولذا فلا يتصور في أي ظرف من الظروف التي يمر بها المجتمع أن تنحصر وظيفة الداعية في بيان الحلال والحرام للناس, لأن من أوجب الواجبات عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولا تخلو السياسة من مجال رحب للدعاة, ليبينوا ما هو معروف فيها فيحصل, وما هو منكر فيجتنب. يمر الوطن بمحنة وكثير من التحديات, ما هي سبل الخروج من المأزق الراهن؟ اختلاف الرؤي بين أفراد الأسرة الواحدة, فضلا عن أفراد المجتمع لا يقتضي التباغض, فقد كان سلف الأمة يختلفون ولم يؤثر أن كفر أو فسق بعضهم بعضا, أو كره بعضهم غيره لمجرد اختلاف الرؤي, فإن اختلاف الصحابة في أمر النبي صلي الله عليه وسلم لهم بعدم صلاة العصر إلا في بني قريظة, لم يفض إلي تسفيه أو تكفير أو تفسيق بعضهم لبعض, وأقرهم النبي علي ما توصلوا إليه, ولم يعنف منهم أحدا, واختلف عمر مع أبي بكر في قتال مانعي الزكاة, إلا أنه بالإقناع والموضوعية اقتنع عمر, واختلفا في جمع القرآن الكريم, وأنكر أبو بكر علي عمر أن يعمل عملا لم يفعله الرسول الكريم, وأقنعه عمر بجدوي جمعه له فاقتنع, دون أن يرمي واحد منهما الآخر بكفر أو فسق أو بدعة, وقبل ذلك اختلف عمر مع الرسول صلي الله عليه وسلم في الحديبية, وظل رافضا لشروطها المجحف بعضها بالمسلمين, بل ربما وافقه علي رفضه لها ثلة من المسلمين الذي بايعوا الرسول تحت الشجرة علي القتال حتي الموت, ورفضوا أن يتحللوا من إحرامهم بالعمرة حتي يقاتلوا المشركين, إلا أن الرسول الكريم أراد حقن دماء المسلمين, وحماية الجيش الإسلامي من الفناء في حرب غير متكافئة, والتفرغ للدعوة, ونشر الإسلام خارج الجزيرة العربية, وغير ذلك, فآثر أن يقبل بالصلح مع المشركين, فكان فتحا عظيما كما قال الله تعالي. وباستطاعة أهل مصر أن يستجيبوا لصوت العقل, وأن يحتكموا إلي شرع الله تعالي, الذي نص في كتابه يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا, وحسبهم في هذا أن الله أعز مصر وأهلها, وذكرها في القرآن بمسماها أكثر مما ذكر مكةالمكرمة, وجعلها أمنا لمن دخلها, وأوصي الرسول بها وبأهلها خيرا, وأمر أصحابه أن يتخذوا منها جندا كثيفا, باعتبار أن جندها خير أجناد الأرض, فهل يتصور ذو لب أن يكون حال أهلها علي النحو الذي لم يعد خافيا علي أحد, وصار جندها الذي هو خير أجناد الأرض هدفا لبعض أهلها, ممن تعاهد علي كسر شوكته وتبديد طاقاته وإضعاف قوته وقتل أفراده, إلا أن الله غالب علي أمره, ولكن أكثر الناس لا يعلمون, ألا فلتقم ثلة من حكماء هذه الأمة لرأب الصدع, ونبذ الفرقة, والاعتصام بحبل الله المتين, فإن رأب الصدع ليس بممتنع إذا صدقت النيات, ونبذ الخلاف, ووضع الجميع صوب أعينهم ضعفاء أهل هذا البلد الذين عضهم الزمن بنابه, وحفر الفقر والشقاء والجوع وجوههم, وصارت أبدانهم مرتعا للأمراض التي جرتها الفاقة وضيق ذات اليد, وباتوا ليلهم يقلبون وجوههم في السماء سائلين المولي أن يخفف عنهم ما يجدون من مشاكل الحياة, ولكن لم تزدهم الأحداث وتداعياتها إلا بعدا عن ذلك. العلمانية والليبرالية والشيوعية وغيرها من المصطلحات التي تعبر عن الهوية السياسية, هل تتناقض مع كون الشخص مسلما, وهل يجوز أن يقوم البعض بتكفير العلماني والليبرالي في المجتمع المسلم ؟ العلمانية هي دعوة إلي إقامة الحياة علي غير الدين, وتعني في جانبها السياسي اللادينية في الحكم, وتعني نفي الدين عن مجالات الحياة المختلفة, فالعلمانية من الجانب العقدي تعني التنكر للدين وعدم الإيمان به, وترك العمل بأحكامه, وهذا كفر صريح, وأما من الجانب التشريعي فتعني فصل الدين عن الدولة, أو فصل الدين عن نواحي الحياة, وهذا يعني الحكم بغير ما أنزل الله, وهو كفر كذلك, وإن اختلف في تكييفه أهو من الكفر الأكبر أم الأصغر, وأما الليبرالية فهي تعني التحرر وهي مذهب أو حركة وعي اجتماعي سياسي داخل المجتمع, تهدف لتحرير الإنسان من قيود السلطات الثلاث: السياسية والاقتصادية والثقافية, وقد تتحرك وفق أخلاق وقيم المجتمع الذي يتبناها, فتتكيف حسب ظروف كل مجتمع, فإن كانت سياسية قصد بها الفلسفة التي تقوم علي استقلال الفرد والتزام الحريات الشخصية وحماية الحريات السياسية والمدنية, والحريات الليبرالية هي: الحق في الحياة والسلامة الشخصية, والتحرر من العبودية, والدين, ونحوهما, والمساواة أمام القانون, وأن تأخذ العدالة مجراها في ظل سيادة القانون, وحرية الكلام والحصول علي المعلومات من مصادر متنوعة, وحرية الانتساب للجمعيات والتجمعات, وحرية التعليم, والحق في التملك والتجارة, وأما الشيوعية فهي: حركة فكرية إباحية تقوم علي الإلحاد, وإلغاء الملكية الفردية, وعلي اشتراك الناس في الإنتاج علي السواء, ومما لا شك فيه أن من اعتنق مذهبا من هذه المذاهب وآمن بجانبه المتعلق بالعقيدة, فإنه يكفر كفرا مخرجا له من الملة, باعتبار أن قوام العلمانية والشيوعية علي مبادئ تناقض الإيمان بالله تعالي وأحكامه, وأما الليبرالية فإن جنح معتنقها إلي التحرر من قيود التشريع في السياسة والمعاملات ونحوها, فإنه يكفر كذلك, وإن كان جنوحه فيها إلي غير ذلك فلا يوصف بالكفر, وأيا كان معتقد الإنسان فلا يجوز لأحد أن يرميه بالكفر أخذا بظاهر حاله, لحرمة تكفير المعين باتفاق العلماء. الكثير من الناس يأخذ الرأي في الأمور الدينية علي أنه فتوي, مع أن الفتوي لها ضوابط وشروط, وفي ظل المشهد الراهن نجد أن الرأي السياسي أصبح في بعض الأحيان له مرجعية دينية, كيف تري هذا ؟ ثمة فوارق بين الآراء والفتاوي, إذ تصدر الآراء من أصحابها في شتي المجالات: السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها, دون ضابط أو قيد, إلا أن يكون الرأي مدعما بدليله المقنع, وإلا رد علي صاحبه, بينما الفتوي لا تكون إلا في أمور الشرع بعد اجتهاد من تأهل للفتوي في المسألة المستفتي فيها, من خلال أدلة الشرع وقواعده, ومما لا ينبغي إغفاله أن قوام السياسة هو شرع الله تعالي, ولذا ألف فقهاء السلف مصنفات في علم السياسة الشرعية, منها: السياسة الشرعية والأحكام السلطانية للماوردي, والسياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية, والسياسة الشرعية لأبي يعلي, والأحكام السلطانية لأبي يعلي, والطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم, ونصيحة الملوك للماوردي, ونظام الحكومة النبوية المسمي التراتيب الإدارية للكتاني, وغياث الأمم في التياث الظلم للجويني, وغيرها كثير, وأكثر من هذا للعلماء المعاصرين, ومن ثم فمن المتصور أن الرأي السياسي إذا تنكب علي شرع الله فقد شرعيته, ولم يعد مقبولا, ولذا فإن أساس الحكم في الإسلام وسياسة أمور الدولة يجب أن يكون وفق أحكام الشرع, وإلا كان جورا وعسفا وظلما وفسادا, وفي جميع الأحوال يجب أن تكون المرجعية في الرأي السياسي هو شرع الله تعالي, والاجتهاد ممن توافرت فيه شروط الاجتهاد من خلال أدلة الشرع المعتبرة. يشهد المجتمع المصري صورة رائعة للوحدة الوطنية والتعاون بين الجميع في أوقات الثورات والأزمات, كيف يمكن أن نرسخ مفاهيم التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد ؟ هذه اللحمة بين نسيج المجتمع تمتد بجذورها عبر التاريخ, وتعمقت بوجود قواسم مشتركة بين أفراده, من حسن الجوار والمشاركة والصحبة والألفة, وتحمل الشدائد, ومما يزيد ذلك ترسيخا أن الديانات التي يؤمن بها أفراد هذا المجتمع ديانات سماوية, لا يكون المرء مؤمنا بالله إلا إذا آمن بها وبكتبها وبرسلها, فضلا عن أن القرآن أثني علي النصاري, بأنهم أقرب مودة إلي المسلمين, وأثني علي رجال الدين منهم بأنهم لا يستكبرون, كما أمرنا بأن نودهم ونقسط إليهم, وأمرنا بقبول فكر الغير ورأيه وإن كان لا يدين بدين سماوي.