حالة من الاضطراب والقلق وغياب الرؤية السياسية الرصينة, والإرادة السياسية المثلومة بالتردد تشوب أداءات النخبة السياسية في كافة أطرافها, إلا قليلا! تبدو الأزمة السياسية المصرية هي أزمة نخبة قديمة بامتياز لا تزال تحاول استعادة مواقعها بالتواطؤ علي الأجيال الجديدة, باستبعادها عن المشاركة الفعالة في إدارة المرحلة الانتقالية الثالثة, أو السعي لاحتواء بعض ممثليها التلفازيين, وذلك تمهيدا لتجاوزهم, أو انخراط بعضهم في تمثيل دور الشباب الثائر! واستيعابهم في إطار بعض قواعد اللعبة السياسية السلطوية القديمة التي استمرت معالمها وتطبيقاتها الشكلية طيلة أكثر من ثلاثين عاما مضت, وهو ما حدث مع بعض عناصر ظهرت علي مسرح المرحلتين الانتقاليتين الأولي والثانية بعد الانتفاضة الثورية الأولي في25 يناير2011, ضعف الأداء النخبوي من كافة الأطراف علي الساحة السياسية يشمل غالب الفواعل الرئيسية التي يحاول بعضها أن يلعب دور الطرف المحوري مع المؤسسة العسكرية, بديلا عن جماعة الإخوان المسلمين ومناصريها ومحالفيها في أعقاب30 يونيو, و3 يوليو, و26 يوليو أي في ظل المرحلة الانتقالية الثالثة, هذا السعي السياسي المحموم لا يزال تعبيرا عن آمال وطموحات أكثر من كونه تعبيرا عن حقائق قوة تعتمد علي قواعد اجتماعية تؤيد وتسوغ هذا المسعي. ما يطلق عليهم نخبة جبهة الإنقاذ أو بعض الأحزاب الأخري, لا تزال تعاني من أمراض سياسية وتنظيمية بنيوية علي رأسها: الهشاشة التنظيمية, وضعف أواصرها بالقواعد الاجتماعية, فضلا عن أنها أحزاب هامشية في الحراكات الجماهيرية الاحتجاجية أو الثورية مجازا!, وإنما هي أقرب إلي أحزاب تلفازية إذ يقتصر حضورها السياسي, في لعب دورها في الإطار التلفازي, أو الصحفي من حيث تقديم آرائها وخطابها السياسي, وردود أفعالها من خلال الوسيط التلفازي الذي بات يشكل إحدي أبرز أدوات التأثير خاصة من خلال السجالات السياسية الحادة والصاخبة. جماعة الإخوان المسلمين, لا تزال تعاني من جمود أفكارها الإيديولوجية الدينية علي الرغم من أن مجمل ممارساتهم خلال الفترة من11 فبراير2011 حتي استبعاد الرئيس المنتخب محمد مرسي عن سدة الحكم- تشير إلي بروز انفصال بين الفكرة الإسلامية السياسية وألقها, وبين بعدها الأخلاقي الذي ميزها تاريخيا في جذب الأتباع والعاطفين عليها! هذا التمايز نتج عن السلوك السياسي السلطوي لقادة الجماعة, والرئيس السابق, وسعيهم المحموم إلي المصالح الاقتصادية, وإلي السلطة كهدف مركزي, وأسمي, بالإضافة إلي انفجار الطموحات المكبوتة لبعض قادتها للمناصب والمواقع داخل الدولة ومؤسساتها, وأجهزة الإعلام, بقطع النظر عن مستويات الكفاءة والخبرة والموهبة. عاني الإخوان ومعهم السلفيون من ضعف ثقافة الدولة, ورأسمال خبراتي سياسي حولها ومعرفة بمعني الدولة الأمة الذي يختلف نوعيا عن مفاهيم الدولة وتاريخها, قبل الدولة/ الأمة الحديثة والمعاصرة, وعلاقاتها بالحركة القومية, من هنا شكلت يوتوبيا أو طوبي الأممية الإسلامية أو الجامعة الإسلامية, والخلافة. عطب بنيوي في أيديولوجيا الجماعة, وفكر قادتها وهو ما أدي إلي تناقضات في سلوكهم السياسي, وخطابهم حول الدولة المصرية, بل غياب تقاليد وعمق جذور القومية( الوطنية) المصرية في الثقافة السياسية السائدة رغما عن طابعها التسلطي, من هنا شكلت علاقاتهم الخاصة بحركة حماس, وتدخلها في الشأن السياسي الداخلي والسيادة المصرية ضربة غاشمة للتقليد الوطني المصري التاريخي, والمستمر, والذي تم استنفاره وظهر بقوة في30 يونيو, و3 يوليو, و26 يوليو2013, إن ضعف الإدراك الإخواني السياسي لدي قيادة الجماعة للشعور القومي المصري, عكس أزمة الرؤية والحس التاريخي بتقاليد الوطنية المصرية في ارتباطاتها بالدولة الحديثة والحركة الدستورية ودور الجيش في إطار الفكرة القومية والدولة الحديثة, لا شك أن غياب الرؤية السياسية الرصينة شكل أحد الأعطاب الأساسية في أداء الرئيس محمد مرسي ومعاونيه ومستشاريه, ومكتب الإرشاد, وعديد من الأشخاص المؤثرين علي صناعة القرار السياسي, أحد مصادر الأخطاء الكبري هو ازدواجية مصادر إصدار القرار بين الجماعة ورجالها الأقوياء, وبين الرئاسة وغامت الحدود والهوامش, ومن ثم حدود المسئولية السياسية والدستورية والقانونية لمن يتخذ القرار السياسي! أخطر ما في أداء الجماعة نزعة الغلبة, ورفض بناء الجوامع الوطنية المشتركة, وجذب الكفاءات الوطنية للمشاركة في بناء المؤسسات الوطنية الديمقراطية, استمرت النظرة التسلطية الاداتية للدساتير والقوانين سائدة لدي الإخوان واللا مبالاة بمفهوم الشرعية الدستورية والقانونية واحترام مبدأ الفصل بين السلطات في أداء البرلمان, أو قرارات رئيس الجمهورية, والبيان الدستوري نوفمبر2012- الخطير واللا مشروع الذي عكس نزعة شمولية وطغيانية بامتياز, من ناحية أخري السعي الفاشل إلي السيطرة علي مفاصل الدولة الأساسية الذي عكس سوء تقدير لمعني وتقاليد الدولة ومدي قوة مؤسساتها, ومن ثم ظهر الصراع مع هذه المؤسسات, والقضاء, والإعلام, والشرطة, والمناورات مع الجيش ومحاولة النيل من بعض قادته, وهو ما ظهر عجزا عن تقدير توازنات القوة في البلاد, البعد الغائب في أداء نخبتي الإخوان, والإنقاذ, وما حولهم من هوامش تقدير طبيعة المرحلة, والتغير السوسيو سياسي الجيلي الجديد ولانتفاضة المدن حول القاهرة والإسكندرية, والطبقة الوسطي المدينية واستبعاد الأجيال الجديدة الثائرة والغاضبة والمتمردة حتي اللحظة الراهنة, النخبة الانتقالية الحالية تعاني من بعض الاضطرابات التي تظهر في قوة الجيش والدعم الشعبي الحالي له, وذلك في ظل غياب سياسة المبادرة لصالح سياسة رد الفعل, والميوعة في الخطاب السياسي الانتقالي, وعدم التجانس في تركيبة السلطة الانتقالية, رغما عن إدعاء ذلك. من ناحية أخري الخلل في توزيع القوة الفعلية والقوة الرسمية الدستورية.! بين القوات المسلحة, ورئيس الجمهورية المؤقت, ونائبه, ومجلس الوزراء, وبروز ازدواجية في الأدوار والصلاحيات بين نائب الرئيس, ووزير الخارجية!. خلط بعضهم في السلطة الانتقالية بين دور الدعاة والمبشرين والحالمين السياسيين, ونظرتهم إلي صورتهم الدولية والسعي للحفاظ علي نقاء ما لها, وبين دور رجل الدولة والسياسي العملي, وقدراته وخياله السياسي, والعزم والحسم في اتخاذ القرارات المدروسة, واستخدامات القوة المشروعة في إطار قواعد القانون الموضوعية, والإجرائية. ثمة أيضا مؤشرات علي رخاوة وارتخاء سياسي يتمثل في التأثر بالضغوط الأمريكية وأداتها الأوروبية أشتون وسواها! في مسار العملية الانتقالية الثالثة, ثمة أيضا غياب لرؤية سياسية كلية تؤطر الحالة الانتقالية في بناء سلطات الدولة والمؤسسات السياسية وقواعد عملها, التردد في إدارة الانقسام السياسي, والخروج علي القانون. لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح