لم يكن نداء الصيام العظيم إلا دعوة إلي التقوي, وبيان أنها الغرض من الصيام يقول المولي عز وجل: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام، كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون والتقوي هي طريق الرحمة والسكينة والأمن والاطمئنان, وسبيل السعادة والفوز والسلام, ونورها الساطع ببغض العنف والإرهاب, أما منهجها القويم, فهو يجمع أكرم صور الخير, ويحشد أفضل ضروب الاستقامة, ويحفظ الناس من قسوة الساخطين, وغضب الناقمين, وعنف المتربصين يؤازره مسلكها الرشيد الذي يحارب البطش والتخريب, ويكره عناصر الإجرام والعدوان التي تدعم أنصارها بالأسلحة والمتفجرات, سعيا إلي التخويف والرعب والفزع, ورغبة في تأجيج الصراع, وبث الفرقة والشقاق, والإضرار بالأمن وحياة الأبرياء, ومن الغريب أن الذين يساندون العنف والإرهاب في شهر رمضان ينسون أن التقوي تريد أن يكون المؤمن الممسك عن الطعام والشراب من الفجر إلي غروب الشمس أكبر عونا للخير, وأشد عدوا للشر, وأن رسول الله صلي الله عليه وسلم يحث علي السلام والأمن والبر والإخاء, ويرشد إلي أن الصوم يحارب الإرهاب والقسوة والعنف حربا لا هوادة فيها, حيث يقول: إنما الصوم جنة فإذا كان يوم صيام أحدكم, فلا يرفث ولا يجهل, وإن امرؤ قاتله أو شاتمه, فليقل إني صائم إني صائم.. إن النبي الكريم يود أن يجعل الصيام أمامنا دائما, يقوي رابطة الإخاء, ويصون حق التكافل, ويحفظ الوحدة, ويحقق المودة والصفاء, والمستوي الطاهر الرفيع الذي تنشده التقوي من الصوم يحرص علي إشاعة الحب الطهر والتعاون, والاعتصام بالأمن والسلم والبر, وبغض أسلوب العنف والشتم, وعدم الخضوع لما يأتي به الغضب من عداء وصراع وفرقة وأحقاد, إن تلبية نداء التقوي يختم نبذ الإرهاب والاعتداء, والنأي عن كل صور التخريب والتدمير, ويفرض التمسك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن, وذلك نهج طيب, يعلم السماحة والمودة والإحسان والإخاء والتكافل والمواساة, ويرفض الإكراه والغلو والفظاظة والعنت والسطوة يقول الله سبحانه: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك.. وليس معني ما سقناه أن أسلوب العنف والإرهاب مباح في غير رمضان, فإن ديننا قام علي الرحمة واللين والرفق, وراعي العدل والسماحة, وأعلن أن الإرهاب ممقوت في كل وقت... إن شهر النفحات يحيط المسلم بجو من الود والألفة والكرامة والعزة والتراحم, ويمنحه صورة خالصة تناسب شرف الإمساك, وتليق بطهر الامتناع عن المعاصي, والاحتفال بالطاعة والإرادة, والفوز الذي حققه الإيمان وفرضته الاستقامة, وشأن الاستقامة أن تؤكد أن منطق العنف والقسوة والإكراه والبطش بعيد عن العمل الصالح مهدد أبواب الخير.. وعلي الذين يحرضون علي استخدام العنف في شهر الصيام, أن يعلموا أن الصائمين في هذا الشهر المبارك يهاجرون إلي الله ورسوله, وهم يدركون أن خير صور الهجرة يبرز في الأمن والأمان, والتقرب بخصال الخير, وثمار الصبر, ودروس الحب والبر والرحمة التي تسعي إلي الثواب الجزيل, لا إلي القتل والتخريب والدمار.