لا تكاد الثورة المصرية بموجتيها الأولي والثانية' يناير2011/ يونيو3201' تخرج من مأزق إلا لتواجه مأزقا آخر, والشواهد أغني من أن تقال, غير أن فخ الإرهاب الدامي المتكيء علي بنية ذهنية رجعية, تؤسس لفاشية جديدة تعتمد القتل وسيلة وحيدة للتعاطي مع العالم, يعد المأزق الأكثر كلفة في ثورتنا. وبما يستلزم قدرا أشد من التلاحم الوطني في مواجهته, بغية الانطلاق إلي أفق جديد يحقق مطامح المصريين في غد أكثر عدلا, وجمالا, وإنسانية. وربما يبدو لافتا للنظر أن محاولة إحياء سيناريو الإرهاب التسعيني الأسود قد بات مطمعا للقوي الرجعية في صراعها مع الشعب المصري بخياراته المركزية:عيش/ حرية/ عدالة اجتماعية, وأن الفشل الذي لاحق المتأسلمين طوال فترة حكمهم يعد المقدمة الأولي من جانبهم للانحراف بالثورة عن مسارها من جهة, والدخول بالدولة المصرية إلي أفق معتم ومجهول من جهة ثانية, واستمرارا لمسلسسل الإخفاق المخزي من قبل القوي الظلامية التي استدعت علي الفور ميراث الدم الذي تتقنه قنصا, ومتاجرة, في آن, وراحت قوي العتامة مدعومة من قوي الاستعمار العالمي- ومن أمريكا تحديدا- تحاول شل يد الثورة من أن تستعيد زمام المبادرة من جديد بعد الإجهاض الفادح للموجة الأولي الباهرة من الثورة المصرية25 يناير2011, وما كاد المصريون يستعيدون ثورتهم المخطوفة زورا وبهتانا حتي استعان الخطاب الاستعماري الغربي بحلفائه المتأسلمين المتوارين خلف خطاب مراوغ يلعن الغرب في ظاهره, ويعقد معه الصفقات ويمثل أحد أذرعه في المنطقة في متنه وجوهره!!. ولاح ثمة مسكوت عنه في الخطاب السياسي يتمثل في محاولة قوي الاستعمار العالمي الضغط علي صانع القرار المصري, وبما يؤكد وهم ديمقراطيات كثير من بلدان العالم الأول التي تحاول قمع شعوب العالم الثالث ودعم القوي الرجعية داخلها, خاصة أنها لا تزال تتعامل معنا وفق خطاب استشراقي قديم, لم تتغير نظرته الاستعلائية ولم تبارح مكانها قط, خاصة أن واحدا من أهم أهداف ثورة الثلاثين من يونيو يتمثل في استقلالية القرار الوطني المصري, وهذا ما ترفضه قوي الاستعمار العالمي بمراكز أبحاثها وعملائها من النخب الرجعية, أو ذات الهوي الأمريكي, لكن الأمة المصرية ستخرج منتصرة بثورتها لأنها بنت أصيلة لذلك التراكم الحضاري الخالد. وتطبيقا لذهنية الاستبداد والتطرف, لايزال أبناء الإرهاب من الجماعات الرجعية يمارسون حربهم القذرة مزعومة القداسة ضد المصريين معتمدين سيناريو الإرباك والفوضي, أملا في إدخال البلاد في نفق العنف الشامل, ولذا علي الدولة المصرية أن تدافع عن نفسها وهويتها وجماهير شعبها, وأن تجتث الإرهاب من جذوره في سيناء, وأن تواجه بالحسم كل مرتزقة الإرهاب وصناعه, أما المزايدون من حملة مباخر النظام الإخواني البائد, والبليد, فعليهم أن يصمتوا, وأن يدركوا أن ناسنا وجماهير شعبنا لن تتصالح أبدا مع القتلة والإرهابيين, لأن الثورة وباختصار مستمرة, ويقظة, وباقية; ولذا فثمة لحظة جديدة من لحظات الفرز تمر بها الثورة المصرية الآن في صراعها الراهن مع القوي الرجعية من القتلة والإرهابيين, وبحيث تصبح مواجهة التطرف والإرهاب, حفاظا علي الأمة المصرية ذاتها, وعلي ثورتنا, وعلي هويتنا الوطنية, انتصارا لكل القيم النبيلة والمقولات الكبري التي ندافع عنها, والتي نستكمل بها ثورتنا من أجل غد أكثر جمالا وحرية. لقد نفضت مصر عن كاهلها غبار الرجعية متجهة صوب المستقبل. ثمة آليتان أساسيتان في مقاومة التطرف وجذوره, الآلية الأولي تتمثل في خلق مناخ تنويري حقيقي لا زائف ولا مزعوم, تنهض عليه نخب وطنية تقدمية جديدة, بعيدا عن عباءة مثقفي مبارك, من صانعي التحالف المشبوه بين الفساد والرجعية, ومن ثم فلا بد من تفعيل دور المثقف العضوي المنتمي إلي ناسه, والمعبر عن واقعه, لمواجهة القوي الرجعية المستترة خلف الدين, والتي تتخذ منه مطية لتحقيق أغراضها الانتهازية الخاصة, كما يجب استعادة قيم الثقافة الوطنية المصرية والانحياز إلي مقولات الحرية والتقدم والحداثة والإبداع, فضلا عن الكشف عن ذلك الوجه الطليعي الجديد في الثقافة المصرية, أما الآلية الثانية فتتمثل في كتابة دستور مدني بامتياز- يليق بالدولة المصرية, وتنوعها الخلاق, خاصة أنه من الحتمي والمأمول في آن, بعد ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة أن يصنع دستور جديد يليق بالأمة المصرية, ويرتقي إلي أماني الملايين التي خرجت إلي الشوارع باحثة عن ثورتها الأم'25 يناير' التي اختطفتها القوي الرجعية من تيار الإسلام السياسي بانتهازيته, وعدائه لحركة التاريخ, خاصة وأن ثورة الثلاثين من يونيو كشفت حجم الزيف الذي يتبناه أنصار الرجعية من خدم الاستعمار العالمي وصنائعه, لنصبح- ومن ثم- أمام موجة ثورية فارقة تعري الزيف الاجتماعي, وترفض الاستبداد باسم الدين, وتسعي صوب المستقبل, مدركة أن أعداءها يعيشون في الماضي, ويتخذون منه ملجأ وملاذا بوصفهم أبناء للاستسلام للجاهز والموروث. ولذا يجب أن تتضمن التعديلات الدستورية تشديدا علي عدم إنشاء الأحزاب علي أسس دينية, لما في ذلك من تقسيم طائفي بغيض, يقسم الأمة المصرية ويفتتها, ومن ثم يجب التعاطي الحاسم مع هذا الأمر, خاصة أن خروج المصريين إلي الميادين كان بهدف الوصول الفعلي إلي دولة مدنية جديدة تنتصر لقيم الحداثة, والتقدم, والمواطنة, وهذا ما يجب علي الدستور أن يتوخاه ويحرص عليه تحقيقا للأهداف التاريخية للثورة المصرية, وما تحويه من انتصار للكرامة, واحتفاء بالطبقات الشعبية التي تعد بمثابة الكتلة الحرجة, والأساسية في الثورة المصرية. لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله