يا لعظمة الشعب المصري الذي ظن البعض أنه مات ولا يثور أبدا, فأصبح يصنع ثوراته في أوقات الفراغ, وشبهه البعض بأنه هادئ هدوء صفحة النيل, ثم لا يلبث أن يتحول إلي شعب داهس كأقدام الفيل, لا يقف أمامه أي شيء. لا يستطيع عاقل أو منصف أن ينكر أن أيام30 يونيو2013, و3 يوليو2013, و26 يوليو2013 من الأيام الخالدة والمجيدة في تاريخ مصر, ومن الأحداث المشهودة في ذاكرة الشعب المصري, حيث خرجت الملايين الهادرة تطالب الرئيس بالرحيل, ونزلت مرة أخري لتفوض القوات المسلحة في مواجهة العنف والإرهاب الذي نغص علي المصريين حياتهم, وكدر عليهم صفوهم. بعد عام من اعتلاء الإخوان المسلمين سدة الحكم, بعد جهاد استمر خمسة وثمانين عاما, جرت المقادير علي غير ما تمني الكثيرون, وسقط حكم الإخوان, أو بالأحري أطيح به بأسرع مما ظن البعض. عن الجماعة من الداخل, وكيف تأخذ قراراتها, وشباب الإخوان والعلاقة مع قادتهم, كان هذا الحوار مع د. كمال الهلباوي, القيادي الإخواني السابق, الذي خبرهم لمدة61 عاما, عضوا بمكتب الإرشاد, ومتحدثا رسميا للإخوان المسلمين بأوروبا والغرب, لكي تستبين الأمور, وتتضح الرؤية, وتنجلي الحقيقة. كيف تري ما حدث في30 يونيو وما بعدها؟ كانت مصر تأمل في نجاح التجربة الديمقراطية الوليدة بعد ثورة25 يناير, وكنا نأمل أن تكون مصر في عهد الإسلاميين نموذجا يحتذي في الأمن, والاستقرار, والعدل, والمساواة, والحريات, والتقدم, والقوة, والنماء, والخروج من التخلف, ومن أساليب الدولة العميقة. وكان ذلك هو السيناريو الأمثل, لكنه لم يحدث. كان مع الرئيس مستشارون استقال معظمهم, حتي الإسلاميون منهم, ولم تتغير طريقة الحكم, واستمر الحاكم في سلطانه, لا يعبأ بما يجري حوله إلا ما يخص الأهل والعشيرة في الغالب الأعم. ازداد الانقسام والاستقطاب في المجتمع, ولم يستطع مرسي علاج ذلك المرض الخطير. لكل ذلك, هب الشعب وهو يري مصر تتهاوي, وتترنح أحيانا, بسبب ضعف الأمن, وانهيار الاقتصاد, وضعف الأخلاق والسلوك, فقامت ثورة30 يونيو العظيمة بقيادة حركة تمرد التي نظر إليها الإسلاميون نظرة استهانة وسوء تقدير, فرأوها زوبعة في فنجان, ولذلك كانت الاستجابة للمطالب متأخرة جدا مثل راكب يصل إلي المحطة بعد مغادرة القطار أو الطائرة, ويريد أن يصل إلي بغيته ويحقق هدفه, وينظر إلي القطار أو الطائرة بعد الإقلاع, ويتمني عودتهما إلي المحطة حتي يستقل القطار أو الطائرة مرة أخري. الدول لا تعيش علي الأحلام, ولا الحركات الإسلامية, ولا الأحزاب السياسية, إنما يتحقق الحلم بالعمل الجاد, والتخطيط الدقيق, ويستمر بإقامة العدل, واحترام الحريات, واحترام إرادة الشعوب. وهنا سؤال مهم: كيف نحترم إرادة الشعب عندما نختار رئيسا, ولا نحترم إرادته وهو يريد أن يعزله؟ ولماذا تأخر الرئيس المعزول في الاستجابة لطلبات الشعب, أو قراءة الواقع قراءة صحيحة؟ ولماذا نلقي اللوم علي الآخر بالحق أو الباطل كما يقول الإسلاميون, أو بالصواب والخطأ في السياسة كما أزعم؟ وإذا ابتلانا الله تعالي برئيس فاشل لمدة سنة كاملة, فكيف نطالب بعودته بعد عزله ليستكمل ثلاث سنوات أخري من الفشل؟ هل تتحمل الأقطار اللعب بالنار؟ كان علي الإسلاميين أن يقوموا بتقويم نتائج التجربة السيئة التي مروا بها, وأن يقبلوا الهزيمة التي ألحقوها بأنفسهم, وأن يثوبوا إلي رشدهم, ويستجمعوا قواهم السلمية لمعالجة أخطائهم والعودة إلي المنافسة السياسية مرة أخري, وليس إلي حلبة الصراع التي اخترعوها اليوم في دولة رابعة العدوية, ما يذكرني بالإمارات الإسلامية التي أقامها بعض الإسلاميين في أفغانستان, والعراق, والصومال. كيف قرأت خطاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي طلب فيه تفويض الشعب لمواجهة الإرهاب؟ انتهي خطاب السيسي إلي نزول الجماهير في26 يوليو بحشود هادرة وكبيرة جدا, قدرت ما بين29 و35 مليونا, المهم أنها استجابت وفوضت القوات المسلحة في أن تتخذ ما تراه من إجراءات لمواجهة العنف والإرهاب, وهو تفويص يؤكد المهمة الأساسية للقوات المسلحة, خاصة ما نراه في سيناء من إرهاب, وضرورة القضاء عليه, وأن يتمتع أهل سيناء بالحياة كما يتمتع بها المصريون في أماكن أخري. وربما يري الجيش والقوات المسلحة ما لا نراه من أخطار خارجية, ولذلك أراد أن يطمئن إلي أن غالبية الشعب المصري لا تشغله السياسة الداخلية عن دعم القوات المسلحة. أيضا, أراد أن يوصل رسالة للقوي الخارجية والغربية التي شككت في الحشود التي خرجت, ورأت أن ما حدث بمصر انقلاب, فجاء هذا الحشد الهادر ليؤكد أنها ثورة شعبية مكتملة الأركان. كيف تري العنف الذي حدث في طريق النصر والمنصة بين قوات الأمن والإخوان؟ نحن نحتاج إلي الشفافية والدقة في كل ماحدث, ولا يمكن أن تستمر الاعتصامات مدة طويلة, لأن عوامل الاستمرار ليست موجودة, مهما طال الوقت. وأناشد الداخلية والقوات المسلحة أن يبتعدا تماما عن استخدام السلاح, لأن تبادل إطلاق النار بين القوات المسلحة والمتظاهرين سيؤدي بالبلد إلي نهاية غير طيبة, وسيجعل المتظاهرين يبدون في صورة المظلوم والضحية. هل نستطيع أن نقول إن جماعة الإخوان المسلمين انتهت سياسيا واجتماعيا؟ لا أظن أن حركة واسعة كهذه- وهي حركة الإسلام- تنتهي دون أن نحس أننا مسلمون, وباقي المجتمع كافر. وهناك من يتحرك بالإسلام, وهناك من يؤمن بالإسلام فقط ولا يتحرك به, إنما الإساءة التي لحقت بالدعوة الإسلامية وبحركة الإسلام كبيرة جدا. فبدلا من أن يقدموا نموذجا عظيما يحبب الناس في الإسلام, فللأسف الشديد النموذج كان سيئا للغاية. هل تري أن الأزمة التي تمر بها الجماعة هي الأخطر في تاريخها منذ تأسيسها عام1928 ؟ بالتأكيد, وقد كتبت مقالا وأنا في المنفي قلت فيه إن مهدي عاكف هو آخر المرشدين الكبار, وغضبوا مني وقتها, وكنت أتمني ألا ينساق عاكف وراءهم بتاريخه الطويل, وأن يقع فيما وقع فيه الآخرون, خاصة أنه استقال وعنده أسبابه, فضرب بذلك نموذجا جميلا في تغيير القيادات, فالرجل كان تصله تقارير مغلوطة. كيف تري مستقبل جماعة الإخوان في قادم الأيام؟ المستقبل يبني علي مواقف, فإذا اختار الإخوان من الآن قيادة واعية وحكيمة وشبابية- وكما حصل تغيير في مصر كلها فلابد أن يحصل تغيير في الإخوان- تفهم الواقع, وتتحد مع الشعب, ولا تستعلي عليه, وتستطيع أن تدعو بالحكمة والموعظة الحسنة, وتدين ممارسات القيادة الحالية هل تعتقد أن الرئيس المعزول محمد مرسي كان ضحية لمكتب الإرشاد؟ أنا لا أريد أن أنظر إليه علي أنه كان ضحية, لأنه متعلم وأستاذ جامعي, وله إسهام برلماني طويل, لا أستطيع أن أطلق عليه ضحية, لأن الضحية يكون مسلوب العقل, منزوع الإرادة, فهو وقع في المحظور بإرادته, فلست متعاطفا معهم, ولكني ضد سجن أي واحد منهم بدون حكم قضائي. هل من الممكن أن يتحول الإخوان من الجماعة المحظورة إلي الجماعة المنبوذة شعبيا؟ هم في الطريق إلي هذا, وطبعا لا يمكن أن يحصلوا, لو دخلوا الانتخابات, علي النسب التي حصلوا عليها من قبل, ولو حتي علي نصفها, لأن الناس فقدوا التعاطف معهم. لماذا هذا السيل من الرؤي والأحلام التي يطلع بها علينا قادة الجماعة بين الحين والآخر؟ سأرد علي هذا أيضا من رسائل حسن البنا, التي من الواضح أنهم لم يقرءوها, حيث يقول... ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤي ليست من أدلة الأحكام الشرعية, ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه. إذا كنت ناصحا لقيادات وشباب الجماعة, فماذا أنت قائل؟ أقول لقيادات الجماعة: كفاكم, وإذا كنتم غير قادرين علي حمل أعباء الدعوة, فارحلوا, فليس هذا عصركم, عصر الحرية والانفتاح. وأقول لهم أيضا تحملوا بقوة ورجولة وشجاعة ما أخطأتم فيه, وأقبلوا علي مشروع المصالحة, وإذا لكم حق فخذوه, أو عليكم فأدوه.