يدرك الغرب وعلي الأخص الولاياتالمتحدة يقينيا أن ما جري في30 يونيو الماضي هو ذروة الثورة الشعبية الكبري التي تتفاعل ضد نظام الدكتاتور د. مرسي وجماعته منذ انقلابه علي الدولة في نوفمبر الماضي واغتصابه للسلطة التشريعية التي لم ينتخب لها ولجانب من السلطة القضائية التي حاول سحقها. ومنذ اتضاح اعتياده الكذب بصورة مهينة لقيمة وقامة الدولة, بدءا من ادعائه العمل في وكالة ناسا, ثم إنكاره بعد ذلك لأي علاقة له بها, وتعهده العلني الذي لم يف به بتشكيل حكومة ائتلافية وإعادة تشكيل اللجنة التأسيسية, والكذب الدائم في البيانات الاقتصادية, علاوة علي الفشل المروع في تنفيذ البرنامج الذي وعد بتحقيقه في أثناء حملته الانتخابية, مما أوصل مصر إلي حافة هاوية علي كل الأصعدة. وبالرغم من إدراك الغرب يقيني أن ما جري هو ذروة الثورة الشعبية الكبري ضد نظام د. مرسي, فإن الإصرار علي إثارة الجدل حول طبيعة ما جري وهل هو ثورة أم انقلاب, هو طريقة خبيثة ومعتادة من الغرب وعلي رأسه الولاياتالمتحدة لابتزاز النظام الجديد للحصول علي ولائه مقابل الاعتراف به, لكنها تبدو مكشوفة وخائبة أمام الحجم الأسطوري للحشود الجماهيرية الهائلة التي خرجت في30 يونيو وفي2 و3 يوليو لتسقط نظام الدكتاتور الهزلي د. محمد مرسي, وهي حشود غير مسبوقة في تاريخ العالم بأسره بصورة أذهلت الدنيا كلها. وبالرغم من الطبيعة المؤقتة للحكومة التي يغلب عليها التيار الليبرالي المطمئن للغرب, فإن هناك مهاما جسام ملقاة علي عاتقها تتمثل في البدء فورا في تغيير السياسات الاقتصادية- الاجتماعية الرديئة. وبداية لابد من إجراء إصلاح جوهري وفوري لنظام الأجور بوضع حد أدني مطلق للأجر للعاملين لدي الدولة والقطاع الخاص بحيث يكفي لحياة كريمة ويستجيب للمطالب المتواضعة للنقابات العمالية والمهنية ويتغير سنويا بنفس نسبة معدل التضخم المعلنة رسميا من الدولة, ووضع حد أقصي للأجر للعاملين لدي الدولة(15 أو20 مثل الحد الأدني), ووضع توصيف وظيفي ومهني تحدد الأجور علي أساسه بشكل متساو أو متقارب للعاملين لدي الدولة, علي أن يقترن هذا الإصلاح لنظام الأجوربنظام صارم للثواب والعقاب لضمان قيام العاملين بواجباتهم الوظيفية وعدم استغلال وقت العمل في أي شيء آخر. وهذا الإصلاح لنظام الأجور يمكن تمويل الجانب الأكبر منه ذاتيا من خلال ما سيتم توفيره بوضع الحد الأقصي للأجر, ومن خلال إنهاء فوضي المستشارين والمد فوق سن المعاش. ولابد أن يقترن إصلاح نظام الأجور بإصلاح نظام المعاشات وربط الحد الأدني للمعاش بالحد الأدني للأجر, كما أن هناك ضرورة لرفع معاشات الضمان الاجتماعي للمساعدة علي تخفيف وطأة الفقر علي من يعيشون في فقر مدقع, كذلك فإن هناك ضرورة لإجراء إصلاحات جوهرية وحاسمة علي الموازنة العامة للدولة, فالموازنة القائمة والتي تتضمن عجزا مروعا واقتراضا جديدا يصل إلي312 مليار جنيه لا يمكن الاستمرار بها لأنها كارثة مالية محققة.. ولتحقيق إصلاح عجز الموازنة العامة للدولة لابد من إصلاح منظومة دعم مواد الطاقة والكهرباء بإبقاء الدعم للفقراء والطبقة الوسطي وللشركات كثيفة الاستخدام للعمالة والتي تبيع إنتاجها بأسعار تقل عن مستويات الأسعار العالمية, وبإزالته كليا عن الأثرياء والشركات التي تبيع إنتاجها بالأسعار العالمية أو بأعلي منها كما هو الحال بالنسبة لشركات الأسمدة والأسمنت والحديد والسيراميك والألومنيوم, مع البدء فورا في برنامج لتحويل قمائن الطوب والمخابز وسيارات النقل والحافلات الكبيرة والصغيرة( الأوتوبيسات والميكروباصات) للعمل بالغاز المدعوم بدلا من السولار المدعوم الذي يكلف الدولة نحو40% من مخصصات دعم الطاقة, وهي عملية ستنقذ كتلة هائلة من دعم الطاقة. ويمكن تخصيص مبلغ الدعم المقرر للسولار لتمويل تقديم قروض ميسرة لملاك سيارات النقل والحافلات لتحويل سياراتهم للعمل بالغاز الرخيص. كما أن إصلاح الموازنة يتطلب تخفيض فائدة قروض الدولة من البنوك لمستويات مقبولة, وتخفيض مدفوعات الفائدة بناء علي ذلك. كما أن الدولة يجب أن تعمل علي تنشيط الإيرادات العامة للدولة من خلال إصلاح النظام الضريبي ببناء نظام متعدد الشرائح وتصاعدي علي دخل الأفراد وأرباح الشركات, بما يحقق العدالة الضريبية النسبية ويرفع الحصيلة الضريبية مع اتباع آليات محكمة لتحصيل الضرائب ومنع التهرب منها, كما ينبغي فرض ضرائب علي الثروات الناضبة, وعلي رأسها النفط والغاز والذهب ومنتجات المحاجر, وفرض ضرائب علي المكاسب الرأسمالية علي غرار ما هو معمول به في الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة والنامية والجاذبة للاستثمارات. كذلك فإنه من الضروري إجراء تغيير كلي وفوري للرسوم التي تحصلها الدولة عن الثروة المعدنية والمحجرية التي يتم تسعيرها حتي الآن وفقا لقانون تم وضعه عام1956, وهو إجراء سيرفع حصيلة مصر منها بصورة هائلة تساعد علي تخفيف عجز الموازنة العامة للدولة. ويجب إنهاء حصول جهات متعددة علي إتاوات من استخراج الثروة المعدنية والمحجرية, وقصر ذلك علي الهيئة العامة للثروة المعدنية, علي أن تورد الحصيلة إلي وزارة المالية باعتبارها إيرادات عامة للدولة كما أن الأموال التي يتم تكديسها في الصناديق الخاصة التي تجمع الأموال فيها بحكم السلطة السيادية للدولة, يجب أن تورد لوزارة المالية لتدخل ضمن الإيرادات العامة للدولة. وبالمقابل لابد أن تقوم الحكومة برفع حجم ونسبة الإنفاق العام علي الصحة والتعليم لتقديم خدمات صحية وتعليمية جيدة للفقراء ومحدودي الدخل وغالبية شرائح الطبقة الوسطي, ولكل من يحتاج إلي تلك الخدمات العامة. ولابد للحكومة من اتخاذ إجراءات حاسمة لمنع انفلات الأسعار, من خلال مكافحة الاحتكارات الإنتاجية والتجارية بتشديد قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار, وبتطوير وتوسيع نطاق عمل جهاز حماية المستهلك ليشمل ضمان الأسعار العادلة إلي جانب المواصفات القياسية للسلع. بالإضافة لكل ما سبق فإن الدولة يجب أن تبدأ فورا في استنهاض النمو الاقتصادي ومكافحة البطالة والفقر بالاعتماد علي الذات بصورة أساسية بدلا من إعادة إنتاج النموذج الرديء للإفراط في الاقتراض الداخلي والخارجي دون إنجاز تنمية حقيقية, وهو موضوع لمقال قادم بإذن الله. لمزيد من مقالات أحمد السيد النجار