حقق الإسلام أمن الطريق التي يرتفق بها الناس في غدوهم ورواحهم, فجاء بأحكام يتحقق بها أمنها, من ذلك أنه حرم قطع الطريق وإخافة الناس فيها. وأوجب الحد الدنيوي علي من يخيف السابلة, أو يأخذ أموالهم أو يتعرض إليهم فيها, وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة علي ذلك, فقال سبحانه: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم, كما جعل للطريق حقا شرعيا يجب مراعاته علي من يجلس عليه أو يرتفق به, فقد ورد في الحديث: إياكم والجلوس علي الطرقات, فقالوا: ما لنا بد, إنما هي مجالسنا نتحدث فيها, قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها, قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله ؟, قال: غض البصر, وكف الأذي, ورد السلام, وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر, ولم يقتصر التشريع الإسلامي علي مراعاة حق الطريق, بل اعتبر من شعب الإيمان جعل الطريق صالحا لارتفاق الناس به, ففي الحديث: الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة, فأفضلها قول: لا إله إلا الله, وأدناها إماطة الأذي عن الطريق, وقد حرم الشارع قضاء الحاجة في الطريق الذي يسلكه الناس, إذ جاء في الحديث: اتقوا الملاعن الثلاث, قيل: وما الملاعن الثلاث يا رسول الله ؟, قال: أن يقعد أحدكم في ظل يستظل به, أو في طريق, أو نقع ماء أي فيقضي حاجته فيها, ويدل لحرمة الاعتداء علي الطرق العامة بأي وجه من وجوه الاعتداء ما ورد بالحديث: من آذي المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم, كل هذا وغيره دليل عناية التشريع الإسلامي بتحقيق أمن الطريق لكل من يسلكه, وجعل الإسلام إبعاد ما يتأذي الناس منه في طرقهم, صدقة لمن قام بإبعاده, وسببا في دخوله الجنة, سواء كان ما يتأذي منه الناس قمامة, أو حيوانات نافقة, أو نجاسات, أو مستقذرات, أو أحجارا, أو أتربة, أو غيرها, وسواء كان تضرر الناس من رائحته, أو من تضييقه الطريق عليهم, أو مما يتولد منه من حشرات أو هوام أو جراثيم أو نحوها, فقد جاء في الحديث: أمط الأذي عن الطريق فإنه لك صدقة, وإن من أهم عوامل تحقيق أمن الطريق ومراعاة حقها في زماننا, تحقيق أمن الناس من المتربصين بهم في الطرقات, للاعتداء عليهم, وسلب ما معهم, أو النيل منه معنويا أو بدنيا, أو إغلاق الطريق عليهم بما يمنعهم أو يضيق عليهم سبل المرور منها, فلا يجدون مسلكا يسلكونه, أو يجدون طريقا يسلكونه يطفح منه الأذي, كما هو الحادث الآن في بعض الشوارع التي أغلقت ببعض المتظاهرين, لتسد أمامهم سبل السلوك إلي مصالحهم وقضاء حوائجهم, ومن عوامل تحقيق أمن الطريق كذلك: مراعاة قائد السيارة لحق المارة معه في الطريق راجلين أو راكبين, بحيث لا يستخدم الآلة التي يقودها استخداما يترتب عليه إتلاف نفس الغير أو ماله, أو يضيق عليهم, أو يسبب لهم إرباكا في السير قد يوردهم موارد الهلاك, أو لا يلتزم بالموضع الذي اختار السير فيه من وسط الطريق أو حافتيه, أو لا يترك مسافة مناسبة بينه وبينهم, أو يستخدم آلة التنبيه استخداما لا تقتضيه ظروف الحال, فيقض مضجع النائمين, ويقلق راحة المستكينين, ويصك آذان المتأملين, فيفسد علي الجميع ما يأملون من راحة وهدوء وسكينة, فضلا عن تعريضه نفسه ونفس غيره إلي التهلكة, وقد نهي الشارع عن ذلك, فقال سبحانه: ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة, وورد في الحديث: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.