جلست داخل عضتها الصفيح.. في بقعة شمس سقطت بين كراكيب تعشقت فوق سقف.. الحجرة الهش.. عجوز.. عجفاء.. مكرمشة الجسد.. ترتعش بين أصابعها الملتوية العظام سيجارة مشتعلة يظن من يراها تدخنها.. أن كلا منهما تمتص الأخري. كانت تغمغم بكلمات موصولة حروف آخرها بأولها.. مكونة منها جملا طويلة يظن من يسمعها أنها بلا هدف ولا معني ولكنها في نفسها.. كانت تلعن طول العمر. لم تكن تري جيدا بعينيها المتهدلة الجفون.. كستائر بالية أرخت علي نافذتين متسختين وكانت مقلتاها ثابتتين.. تتحركان فقط بحركة الرأس والجسد.. ولم تكن تقصد بحركاتها البطيئة العشوائية في حجرتها أي شئ.. فقط كانت تتحرك كلما أرادت أن تلعن طول العمر. سرحت قدر ما مكنها خيالها أن تسرح.. فكرت فيمن سبقوها إلي الطرف الآخر من الحياة.. أبيها وأمها التي لا تستطيع أبدا ان تنسي وجهيهما رغم اختفائهما من حياتها منذ زمن بعيد جدا.. كانت تتذكر وجوه أخواتها.. ووجوه أبناء أخواتها.. تذكرت وجوه قدامي جيرانها.. وتذكرت وجوها لا تذكر عنها شيئا غير صورتها.. كل هؤلاء سبقوها إلي الحياة الأخري.. فجلست تلعن طول العمر الذي أبقاها دونهم هنا بلا أي ونيس ولا أليف.. سوي بقعة الشمس التي تزورها معظم أيام الصيف وتتخلي عنها في أبرد أيام الشتاء.. وسيجارتها التي لا تفارق كفها العجفاء وترتعش بارتعاشة شفتيها.. كلما لعنت طول العمر..