يشبه قانون التصالح في مخالفات البناء.. برلماني يقدم مقترحًا لحل أزمة الإيجار القديم    في ضربة انتقامية.. باكستان تُدمر مقر لواء بالجيش الهندي    ردود الفعل العالمية على اندلاع الحرب بين الهند وباكستان    22 شهيدا و52 مصابًا جراء مجزرة الاحتلال الإسرائيلي في مدرسة أبو هميسة بمخيم البريج وسط غزة    رئيس الخلود السعودي: سنرسل ديانج في طائرة خاصة إذا طلبه الأهلي    تحرير 30 محضرًا في حملة تموينية على محطات الوقود ومستودعات الغاز بدمياط    كندة علوش تروي تجربتها مع السرطان وتوجه نصائح مؤثرة للسيدات    تحرير 71 محضرا للمتقاعسين عن سداد واستكمال إجراءات التقنين بالوادي الجديد    طارق يحيى ينتقد تصرفات زيزو ويصفها ب "السقطة الكبرى".. ويهاجم اتحاد الكرة بسبب التخبط في إدارة المباريات    إريك جارسيا يلمح لتكرار "الجدل التحكيمي" في مواجهة إنتر: نعرف ما حدث مع هذا الحكم من قبل    الدولار ب50.6 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 7-5-2025    فيديو خطف طفل داخل «توك توك» يشعل السوشيال ميديا    أول زيارة له.. الرئيس السوري يلتقي ماكرون اليوم في باريس    موعد إجازة مولد النبوي الشريف 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    «كل يوم مادة لمدة أسبوع».. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي 2025 بمحافظة الجيزة    المؤتمر العاشر ل"المرأة العربية" يختتم أعماله بإعلان رؤية موحدة لحماية النساء من العنف السيبراني    متحدث الأوقاف": لا خلاف مع الأزهر بشأن قانون تنظيم الفتوى    التلفزيون الباكستاني: القوات الجوية أسقطت مقاتلتين هنديتين    وزير الدفاع الباكستاني: الهند استهدفت مواقع مدنية وليست معسكرات للمسلحين    الهند: شن هجمات جوية ضد مسلحين داخل باكستان    مسيرات أوكرانية تعطل حركة الملاحة الجوية في موسكو    الذكرى ال 80 ليوم النصر في ندوة لمركز الحوار.. صور    شريف عامر: الإفراج عن طلاب مصريين محتجزين بقرغيزستان    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع ببداية تعاملات الأربعاء 7 مايو 2025    «تحديد المصير».. مواجهات نارية للباحثين عن النجاة في دوري المحترفين    موعد مباريات اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. إنفوجراف    سيد عبد الحفيظ يتوقع قرار لجنة التظلمات بشأن مباراة القمة.. ورد مثير من أحمد سليمان    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الأربعاء 7 مايو 2025    "اصطفاف معدات مياه الفيوم" ضمن التدريب العملي «صقر 149» لمجابهة الأزمات.. صور    حبس المتهمين بخطف شخص بالزاوية الحمراء    السيطرة على حريق توك توك أعلى محور عمرو بن العاص بالجيزة    قرار هام في واقعة التعدي على نجل حسام عاشور    ضبط المتهمين بالنصب على ذو الهمم منتحلين صفة خدمة العملاء    ارتفاع مستمر في الحرارة.. حالة الطقس المتوقعة بالمحافظات من الأربعاء إلى الاثنين    موعد إجازة نصف العام الدراسي القادم 24 يناير 2026 ومدتها أسبوعان.. تفاصيل خطة التعليم الجديدة    د.حماد عبدالله يكتب: أهمية الطرق الموازية وخطورتها أيضًا!!    "ماما إزاي".. والدة رنا رئيس تثير الجدل بسبب جمالها    مهرجان المركز الكاثوليكي.. الواقع حاضر وكذلك السينما    مُعلق على مشنقة.. العثور على جثة شاب بمساكن اللاسلكي في بورسعيد    ألم الفك عند الاستيقاظ.. قد يكوت مؤشر على هذه الحالة    استشاري يكشف أفضل نوع أوانٍ للمقبلين على الزواج ويعدد مخاطر الألومنيوم    مكسب مالي غير متوقع لكن احترس.. حظ برج الدلو اليوم 7 مايو    3 أبراج «أعصابهم حديد».. هادئون جدًا يتصرفون كالقادة ويتحملون الضغوط كالجبال    بدون مكياج.. هدى المفتي تتألق في أحدث ظهور (صور)    نشرة التوك شو| الرقابة المالية تحذر من "مستريح الذهب".. والحكومة تعد بمراعاة الجميع في قانون الإيجار القديم    كندة علوش: الأمومة جعلتني نسخة جديدة.. وتعلمت الصبر والنظر للحياة بعين مختلفة    معادلا رونالدو.. رافينيا يحقق رقما قياسيا تاريخيا في دوري أبطال أوروبا    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    بعد نهاية الجولة الرابعة.. جدول ترتيب المجموعة الأولى بكأس أمم أفريقيا للشباب    أطباء مستشفى دسوق العام يجرون جراحة ناجحة لإنقاذ حداد من سيخ حديدي    طريقة عمل الرز بلبن، ألذ وأرخص تحلية    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية لم تأتِ لتكليف الناس بما لا يطيقون    وزير الأوقاف: المسلمون والمسيحيون في مصر تجمعهم أواصر قوية على أساس من الوحدة الوطنية    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2025 في محافظة البحيرة الترم الثاني 2025    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وطن ينتصر وجماعة تنتحر ورئيس معزول

سقط الرئيس مرسي وكان لا بد أن يسقط, وفشل حكم الإخوان وكان محتما أن يفشل, وما بيان الفريق السيسي إلا شهادة وفاة لشخص مات فعلا, وما الفرحة الهيستيرية
التي عمت الشارع المصري إلا تشييع لحكم جماعة لم تفهم أن الديمقراطية زواج متعة, بمدة وشروط محددة, وليست زواجا كاثوليكيا أبديا, دمر صقور الإخوان حلما لامس أناملهم, اعتبروا الوطن غنيمة, ولجأوا إلي فقه الضرورة لاستحلال ما لا يجوز, وما بين شدة الرغبة وقصور القدرة أدهشوا الدنيا بهزال أدائهم وضعف أفكارهم, ونشروا فراغا عميقا كجوع لا يعرف الشبع. وفي اليوم ال(33)من يونيو تكشفت حقائق مرعبة, استدعي حدادهم التدخل الأجنبي أمريكيا وإسرائيليا, لتفتيت المحروسة أو احتلالها, بعد حرب طويلة شنوها علي كيان الدولة ومؤسساتها. فخلعهم الشعب ب10 قروش فقط, تكلفة تصوير استمارة حملة تمرد, في موجة ثورية هي الأضخم عبر التاريخ, أعادت العصمة ليد الشعب, في48 ساعة. لكن ما يجري يترك علامات استفهام وتعجب أمام أسرار بحجم المقطم, لابد من تلمس دروب لفك طلاسمها المذهلة, في الطريق إلي المستقبل.
قبعت ديناصورات المتأسلمين المنهكة طويلا أمام أبواب السلطة, تداعبها الآمال والأحلام دون جدوي, ثم فجأة صار الحلم حقيقة والمستحيل ممكنا, بعد ثورة يناير امتلكوا كرسي الحكم, فاختلط المقدسالدين بالمدنسالسياسة, ماء نقي شفاف وزيت ثقيل ملوثدونت مكس- فحدث الارتباك الكبير, وسريعا أتت النهاية قبل أن يمر عام علي جلوس الجماعة في الرئاسة, علي يد الشعب ذاته الذي سبق أن انتخبهم. تلك خلاصة موجزة لآراء خبراء مثل الدكتور نبيل فهمي سفير مصر السابق في واشنطن عميد كلية الشئون الدولية بالجامعة الأمريكية واللواء الدكتور مجاهد الزيات مدير المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط والدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية.
آراء هؤلاء الخبراء أزاحت الستار عن أن الحاكم يستطيع أن يضرب بالسيف, لكنه لا يستطيع أن يجلس عليه, أن يخدع, أن يفسد أو يقتل, لكنه يعجز عن إضافة دقائق إلي زمن حكمه الغارب. مثلا مبارك أساء إلي شعبه ثلاثين عاما, وفي25 يناير حانت لحظة الحساب, توسل طويلا أن يتركوه لنهاية ولايته, لكن الثوار خلعوه, جزاء جرائم غزلها بيده مع أسرته, وشلة المفسدين فيما يعرف بالحزب الوطني ولجنة سياساته. وصدر حكم قضائي بإعدام الحزب الحاكم, أي حله, تحذيرا ووعيدا لكل حزب سياسي من السير علي الدرب نفسه. لأن أي محكمة تقرر إعدام أحد القتلة, فإنها لا تقصد تصحيح الجريمة التي ارتكبها ذلك المجرم, وإنما تقصد بالدرجة الأولي- أن تحذر الآخرين من سلوك طريقه. لكن حزب الحرية والعدالة-الملقب بالذراع السياسية للجماعة- قد فهم الرسالة علي نحو خاطئ, أو لم يكترث بها أساسا, فاتجه الحزب الإخواني الحاكم إلي استنساخ سياسات سابقه علي نحو أكثر فجاجة وقسوة واستعلاء, تحت ضغط إلحاح التمكين العارم وثقافة المحنة المفرطة, بينما ألهته نشوة السلطة عن تدبر العواقب؟!
مع أن د.مرسي فاز بنسبة7,51% فقط, لم يأخذ في الاعتبار أنه لا يتمتع بدعم مفتوح, نحو نصف الشعب المصري كان ضد وصوله, لكنه لم يأبه وتفرغ لحرب بلا هوادة ضد القضاء والإعلام والأزهر والكنيسة والجيش, لإخضاعها وأخونتها, بينما الدولة تغرق أكثر فأكثر, اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا, ولم يبد الإخوان أي تعاطف مع معاناة الجماهير. و(فعل) مرسي أشياء في45 يوما من بدء رئاسته عجز مبارك أن يحلم بها, كانفراده بالسلطات كافة الداخلية والخارجية والأمن والدفاع والميزانية والتشريع والرقابة وتشكيل لجنة الدستور إن أراد, والفصل بين السلطات إن وجدت- ومنح نفسه جميع النياشين والأوسمة التي تمنحها الدولة المصرية, وحشر جماعته في شرايينها دون غيرهم, حتي أوشكت علي الانسداد بجلطة إخوانية مميتة, فاستشعرت الجموع الخطر علي الوطن وقامت تمنحه قبلة الحياة بثورة شعبية حماها الجيش واستجاب لها بعزل مرسي.
الكاتب عبدالرحمن يوسف-ابن الشيخ يوسف القرضاوي- يؤكد جملة من هذه المعاني, ويقول: إن حقيقة ما حدث في مصر خلال العام الماضي أن الإخوان المسلمين قد تعاملوا مع رئاسة الجمهورية علي أنها شعبة من شعب الجماعة, ونحن ندفع وسندفع ثمن ذلك جميعا دما وأحقادا بين أبناء الوطن الواحد!. ويضيف بأسي: لقد كنا نتمني جميعا لو أكمل الرئيس مدته, وأن تنجح أول تجربة لرئيس مدني منتخب, ولكنه أصر علي إسقاط شرعيته بنفسه, وذلك بانقياده لمن يحركه, وبتبعيته لمن لا شرعية لهم ولا بيعة ولا ميثاق, ثم هم الآن يبتزون أتباعهم ورموزهم عاطفيا لكي يقعوا في هذا الشرك بدعوي حماية الشرعية والشريعة. واعتبر عبدالرحمن يوسف أنه آن لهذه الأمة أن تخوض الصعب, وأن ترسم الحدود بين ما هو ديني, وما هو سياسي, لكي نعرف متي يتحدث الفقهاء, ومتي يتحدث السياسيون.
الدم والمؤامرة
شقت حركة الإخوان طريقا يبسا نحو السلطة لكن بشبق عارم, جعل التيارات المختلفة تنخرط في حالة مناكفة واستقطاب واستعصاء, يمتد خطرها إلي وجود مصر ووحدة ترابها, في لحظة مشحونة بالمشكلات والتحديات, حتي صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محذرا أن مصر في طريقها إلي حرب أهلية, علي غرار سوريا, ودعا المصريين لإنقاذ بلادهم من هذه الهوة السحيقة. كلام بوتين تعززه الوقائع علي الأرض, فقد استنجد عصام الحداد بقوي خارجية خاصة الأمريكيين والإسرائيليين والغرب عموما, للتدخل ولو عسكريا- ضد المصريين والجيش المصري, بزعم أن30 يونيو انقلاب عسكري وليس ثورة. ميدانيا كانت رابعة العدوية منصة إطلاق ثقيلة لكل التهديدات وتكفير المصريين, من عينة:قتلانا في الجنة, وقتلاهم في النار, سنسحقكم جميعا, اللي يرش مرسي بالميه, هنرشه بالدم, لذلك سألت المهندس عاصم عبدالماجد أحد صقور الجماعة الإسلامية, عمن يتحمل مسئولية العنف والرعب الذي يزرع الخراب في مصر, فقال بصوت غاضب متهدج: يتحمل مسئوليتها القوي المعارضة الفوضوية.قلت لماذا: أجابني بغضب أشد: لأن هناك تداولا سلميا للسلطة, وقد أدركوا أنه لن يكون في صالحهم, فأرادوا أن يكون التداول بالعنف. وشدد عبدالماجد علي أن كرسي الحكم في مصر كتب عليه لا إله إلا الله, وإذا أسقط مرسي فسنعلنها ثورة إسلامية. بضعة أيام وسقط مرسي فوجدت تهديدات عبدالماجد والزمر وحجازي والبلتاجي شقت طريقها إلي الشوارع وتوالت الاعتداءات والقتل والحرق. لذلك ذكر موقع ديبكا الإسرائيلي المقرب من جهاز الموساد, أن المخابرات الإسرائيلية والأمريكية تقدران الوضع الحالي في مصر بأنه علي وشك حرب أهلية, استشهادا بأحداث العنف المتتالية في البلاد, وأوضح الموقع أن هناك تبادلا للعنف بين القوي الإسلامية وقوي المعارضة.
ترقص إسرائيل طربا وهي تري أعداءها يمزقون بعضهم بعضا بأيديهم, وتقوم أمريكا علي دفع الصراع إلي منتهاه, تنفيذا لمخطط الطوق النظيف, أي خلو الدول المحيطة بإسرائيل من جيوشها الوطنية وفتح أبوابها للحروب الأهلية, علي يد تيارات الإسلامويين أو اليمين الديني المتطرف التي لا تؤمن بفكرة الوطن أو الدولة, تحت إغراء وهم الأممية وأستاذية العالم, علي نحو ما حدث في العراق ثم سوريا, ويبدو أن الدور جاء علي جيش مصر, الذي كان عبر تاريخه مدافعا عن وجود الوطن والدين والأمة, وضربة البداية احتكار الدين وتكفير المعارضين, وإنكار الواقع, وحشد شباب الجماعات الدينية ليحرقوا مصر ويحترقوا معها. ولم يتخلف أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة عن صب اللعنات والتهديدات, ونشطت الخلايا الجهادية النائمة في سيناء, وعاودت الإرهاب والتفجيرات بمجرد خلع مرسي, هل يدل ذلك علي شيء, مجرد تساؤل؟!.
معركة خاسرة
اللافت أنه وسط هذه الأجواء الساخنة نفي حزب النور( السلفي) أن يكون الوضع في مصر حربا بين معسكري الإيمان والكفر, وهذا ما أيده الدكتور يسري حماد القيادي بحزب الوطن( القريب من الإخوان), قائلا إنه لا يمكن القبول بتقسيم البلاد إلي معسكر للإيمان وأخر للكفر, أو بين إسلاميين وعلمانيين, الجميع يقع في الأخطاء. لكن حماد استدرك( متهكما): نشكر قيادة الجيش التي تسببت في نزول الشعب الي الشوارع مابين مؤيد ومعارض, بعدما أبدت في بيانها الأول أن انحيازها لفصيل سياسي, بناء علي العدد, مما دفع الجميع للحشد, ولو تصادم الفريقان لكانت دماؤهم في رقبة من استبدل الإجراءات الاستثنائية بنصوص الدستور والقانون. أما المفكر الدكتور كمال الهلباوي فيري الأمر من زاوية أخري, أنه بدلا من الوضع المأساوي الحالي, كان علي الدكتور مرسي النزول عند إرادة الشعب والخروج بطريقة دستورية, ونفي أن تكون الثورة انقلابا عسكريا, وقال: كنت أتمني لو قدم الإخوان نموذجا مستنيرا للإسلام, لكنني أظن أن قيادتهم الحالية لا تقود إلي خير. وفي السياق نفسه يحذر عبدالرحمن يوسف من أن في ميدان رابعة العدوية الآن مئات الآلاف من الشباب المخلص الطاهر, وهم طاقة وطنية جبارة, سيضعها بعض أصحاب المصالح وتجار الدم في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل, فلا هي معركة وطنية, ولا هي معركة إسلامية, ولا هي معركة ضد عدو, ولا هي معركة يرجي فيها نصر, وكل من يدخلها مهزوم, إنهم ملايين المخلصين الذين سيلقي بهم في الجحيم ثمنا لأطماع ثلة من الناس في مزيد من السلطة والنفوذ, وما أحوجنا لكلمة حق عاقلة تحقن تلك الدماء الزكية التي ستراق هدرا. وقد أيد الدكتور مصطفي كامل السيد رأي عبدالرحمن يوسف, ونبه إلي أن العنف من سمات فصائل الإسلام السياسي, وأن الثوار خرجوا بسلمية في25 يناير و30 يونيو, وأن الدكتور محمد مرسي يتحمل الوزر, فهو أسوأ من مبارك, اهتم بالتمكين للجماعة, ونسي أنه رئيس لكل المصريين, وأنه نجح بأصوات الليبراليين واليساريين, وثبت قصوره الشديد داخليا وخارجيا, وهجره مستشاروه, وشن حربا علي المؤسسات فأوجد بيئة متوترة, وكان عليه صيانة مصر من التدهور والانحدار إلي مستنقع الدم, وللأسف لم يفعل!.
من ناحيته أدان الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية والقيادي بجبهة الإنقاذ أشد الإدانة استخدام العنف والتحريض المستمر عليه من قبل الإخوان ومؤيديهم, ووصف نشرهم شائعات حول انشقاقات بالقوات المسلحة المصرية وصمتهم عن الهجمات عليها في سيناء بالخيانة وانعدام الوطنية, وحمل حمزاوي مسئولية كل قطرة دماء مصرية سقطت لكل قيادات مكتب الإرشاد التي اختارت من البداية أن تستبد بمقدرات الأمور في البلاد, وعندما ثار الشعب ضد سياساتهم اختاروا أن يضحوا بالوطن وأن يستخدموا شبابهم وقودا لحرق البلاد, وطالبهم بالكف عن وضع شبابهم في مواجهة مباشرة مع قطاعات شعبية واسعة وتبرير العنف باسم شرعية سقطت شعبيا.
ضاق الشباب ذرعا فجاء الثلاثون من يونيو غضبا عارما ملأ الشوارع والأزقة, الشباب جميل لكن الحكمة عميقة, ولو اشتعلت الحرب الأهلية, كما حذر الرئيس الروسي, فإن الكل باطل: الإخوان والمعارضة, تجار الدين والدم يورطون البلد في الأهوال. الخطورة كما أراها تكمن في غياب تصور نافذ صوب المستقبل, وهذا ما يريده مرسي وجماعته لأن الوقوع في الفوضي يبعدنا دوما عن تحقيق الأهداف. لكن لا أحد ينتبه, أو لديه وقت لذلك, فقد ضرب المحروسة تسونامي الكراهية والعنف والدم والقتل والحرق, في بلد به12 مليون قطعة سلاح يعاني مشكلات من كل لون.
بزوغ الفجر
من المؤكد أن الظلام لايقوي علي مواجهة بزوغ الفجر, ومصر لاتحب العنف ولا تألفه, وأن المصريين قاموا بالثورة للحصول علي قواعد لعبة جديدة, واستعاد الشباب الثائر الفائر زمام المبادرة في إحداث التغيير وإعادة تشكيل المجتمع بما يلبي أشواقه وطموحاته, دون إقصاء أو استبعاد لأي فصيل-وأولهم الإخوان- فإذا كانت العلمانية تقوم علي قيم ثلاث: الحرية والعدالة والمساواة, فإن تلك القيم, تحديدا, تحتل مكان القلب في جوهر الإسلام وقيمه السامية, ومن ثم فالفرصة جد قائمة للعثور علي طريق ثالث وسطي للتوافق. وبحسب الداعية الإسلامي الدكتور ناجح إبراهيم فإنه ليس أمام الحركة الإسلامية سوي خيارين: خيار الدم( النموذج الجزائري) وفيه لم تأت الشرعية ولم تحفظ الشريعة أو الدماء, أي لم تحقق سوي الدمار والتخلف في كل شيء. الخيار الثاني خيار( أربكان- أردوغان) في تركيا, وعلينا أن نخطو للأمام, ولانبكي علي اللبن المسكوب أو الكرسي الضائع, فالعنف يضيع القضايا العادلة, وقد حان الوقت لجلسة محاسبة داخلية في الجماعة تصلح المعوج وتقيها التآكل والاندثار.
يبدو استحضار معادلة أردوغان: أنا رئيس وزراء مسلم لدولة علمانية مقبولا وملائما, لكنني أفضل نهج مانديلا في حضوره الكريم المتسامح الطاغي رغم قرب الغياب. وهو الذي علمنا أن الفارس يوجع حصانه بالمهماز دون أن يجرحه, والحاكم العظيم يسوس شعبه دون ظلم أو جبروت, وقد يترجل إن وجد أن ثقله أكبر مما يحتمل حصانه علي تحمله. ألم يقل الدكتور محمد بديع, مرشد الإخوان المسلمين, في رسالته المسئولية في بناء الأوطان:إن الشعور بالمسئولية شيمة القادة المخلصين الذين يقدمون مصلحة الأمة علي مصالحهم الشخصية, ويضحون بمصالحهم وما يملكون في سبيل نهضة أمتهم ورفعتها وقيام الحق فيها, وعزة أهلها وأمنهم وسعادتهم..!
فهل تشهد الأيام المقبلة تضييق مساحات الخلاف وكسر دائرة العنف الجهنمية, وهل يفهم الإخوان روح مصر وهويتها وسماحتها ومكرها أيضا, ويعرفون أن السيف لايمكن الجلوس عليه, ويتذكرون أن الرسول الكريم فتح مكة ساجدا؟!.. قبل أن يقول لهم أهل الكنانة ثانية وثالثة: عفوا لقد نفد رصيدكم..لأن ثورتنا العظيمة ستبلغ أهدافها طال الزمن أو قصر, لأنها تشبه العنقاء في الأسطورة الشهيرة التي كلما احترقت بعثت من جديد من قلب الرماد, ستنتصر إذن وستخلق ثقافتها الجديدة, وستعيد للدولة المدنية الحديثة بهاءها الذي ظن البعض أنه قد انطفأ, وإن يكن وهجه مرئيا لمن يريد أن يري. بشرط أن نتذكر دوما, كمصريين جميعا, مقولة مارتن لوثر كنج:علينا أن نتعلم العيش معا كإخوة, أو الفناء معا كأغبياء..حفظ الله مصر وأهلها..!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.