شهر رمضان حينما يأتي يستعد الإنسان للتطهر من الذنوب وفي ذلك يحدثنا الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر قائلا: إن شهر رمضان مغتسل التائبين, ميدان المتسابقين, معسكر إيماني لتجنيد الطاقات, وتعبئة الإرادات, وتقوية العزائم, وشحذ الهمم لتحصيل الآمال الكبار, فيه تتجدد الحياة وذلك بتوبة نصوح استشرافا لزمنه, وتعرضا لفضله, واغتناما لقدره, والتوبة: الرجوع عن الطريق المعوج إلي الطريق المستقيم, وهي: العلم بعظم الذنوب, والعيوب, والندم والعزم في الحال والاستقبال, والتلافي للماضي, وفي حقيقتها الرجوع إلي الله تعالي- بالتزام فعل ما يجب, وترك ما يكره, لهذا علق الرحمن الرحيم الفلاح المطلق علي التوبة حيث قال: وتوبوا إلي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون, سورة النور, وأعلاها وأفضلها التوبة النصوح التي كما قال السلف الصالح رضي الله عنهم-: التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلي الضر, ويضيف الدكتور كريمة مؤكدا أن التوبة نوعان: الأولي, توبة في الباطن: هي ما بين العبد وربه, لا تتعلق بمظلمة لآدمي, ولا حد من الحدود, فيقلع عن الذنب, ويندم علي فعل ما فعل, ويعزم علي ألا يعود إلي مثلها, قال الله تعالي-: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله, ولم يصروا علي ما فعلوا آل عمران- وإن تعلق بالذنوب حق لآدمي يبرأ من حقه, والثانية, توبة في الظاهر: يتوب ويصلح عمله وتظهر عليه علامات الصلاح, فما أحلي التوبة في شهر رمضان للاغتسال الباطني والظاهري, تجديدا للعهد, وتقربا إلي المنعم العظيم, والمتفضل الكريم غافر الذنب قابل التوب. ويقول الدكتور حامد أبوطالب عميد كلية الشريعة والقانون السابق, إن من نفحات الله تعالي شهر رمضان فهو موسم التوبة والعودة إلي الله والتخلص من الذنوب والآثام التي وقع فيها المسلم والندم علي ما فرط فيه أو قصر من الطاعات وفعل الخيرات, ويقول النبي صلي الله عليه وسلم- إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها رواه الطبراني, والله خالق الإنسان ويعرف ضعفه أمام الشهوات والملذات وأن ابن آدم خطاء, كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) أخرجه الحاكم, ولذلك فتح له باب التوبة علي مصراعيه وناداه لدخوله في كل وقت لاسيما في شهر رمضان. قال تعالي وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي(82) من سورة طه, بل فوق ذلك يطمئن الله سبحانه وتعالي المسلم ويبشره بقبول توبته حتي ولو كثرت ذنوبه. قال تعالي قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم(53) من سورة الزمر, ويفسر الداعية إبراهيم حافظ محمد أحد علماء الأزهر الشريف, التوبة قائلا: إنها الرجوع عن الذنب والإقلاع عنه والندم علي فعله, ثم العزم علي عدم العودة إليه في المستقبل مع إزالة أثر الذي حدث, والمتعلق بحقوق العباد, كإعادة المال وإصلاح ما فسد بسبب هذا الذنب ما استطاع الشخص إلي ذلك سبيلا, وإن للذنوب أثرا مدمرا علي حياة الفرد في الدنيا وعلي عاقبته في الآخرة, وكما ورد في الأثر إن الذنوب ليجتمعن علي المرء فيهلكنه, وقال الله تعالي- وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته, وذلك هو الفوز العظيم9 من سورة غافر, وقال تعالي عن الأمم السابقة: فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين6 من سورة الأنعام, وهذا يجعل من الأفضل الابتعاد مطلقا عن اقتراف الذنوب, وقال الشافعي: من واجب الناس أن يتوبوا.. لكن ترك الذنوب أوجب, كما أن الله أمر بالمسابقة والمسارعة إلي المغفرة لا إلي التوبة, كأن يريد أن يقول لنا عز وجل- سابقوا إلي التوبة فإن صدقت توبتكم فإن المغفرة مضمونة بضمان إلهي في قوله تعالي: وسابقوا إلي مغفرة من ربكم وجنة..21 من سورة الحديد, وأيضا وسارعوا إلي مغفرة من ربكم وجنة..133 من سورة آل عمران, كما لا ينبغي للمرء أن يستصغر الذنب أو يستقله, فالعبرة ليست بالذنب صغيره أو كبيره, وإنما العبرة بعظم الخالق الذي يعصاه الإنسان.