يعد الدكتور سعد الدين الهلالي رئيس قسم الفقه المقارن جامعة الأزهر من أبرز الدعاة والفقهاء في المشهد الفقهي, يتميز بالوسطية والعلم الغزير والإنتاج الفكري الذي يتفرد به من خلال عرض أقوال الفقهاء القدماء والمعاصرين. ويؤكد أن الإنسان العادي له حق اختيار أي من الآراء الفقهية دون واسطة بحسب مصلحته وما يطمئن إليه قلبه, لأن العالم المتخصص وظيفته الاجتهاد والإنسان العادي له حق الاختيار, ويؤكد أن التعددية الفقهية ضرورة شرعية, وأن الإسلام قائم علي التعددية, وأشار إلي أن الأفكار التكفيرية أفلست لأن الفكر التنويري بدأ ينتشر, وقال إن العلماء ناقلون والناقل لايمكن أن يكون وليا أو وصيا, ولذلك علي الفقيه أن يعرض آراء الفقهاء ولايفرض رأيه علي الناس.. وإلي نص الحوار لماذا أنت متهم بالتساهل في إصدار الفتوي لدرجة مخالفة إجماع الفقهاء؟ طوال حياتي وحتي هذه اللحظة أنقل للناس أقوال الفقهاء في القضايا المختلفة ولا أذكر قولا واحدا اجتهدت فيه, ولا توجد هناك مقولة واحدة تنسب لي ومن ينسب لي مقولة فقد ظلمني, فأين هي الأقوال التي تنسب لي؟ وعندما ذكرتها ذكرت القائل فلماذا ينسب القول لي ولا ينسب للقائل, كما أنني أذكر أقوال الفقهاء المعاصرين والقدماء, لأنني ضد حشد الناس علي رأي فقهي واحد, وأري وجوب احترام عقول الناس بتمكينهم من الاختيار بحسب قناعاتهم, ومهمتي تتمثل في تنوير الإنسان بحقه في الإختيار بين الآراء الفقهية, فكل إنسان يملك حق الاجتهادإن كان من أهل الاجتهاد, وإلا فله حق الاختيار من بين أقوال المجتهدين والذي مارس حقه في الاجتهاد أو في الاختيار إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر, لأن الإنسان العادي له حق الاختيار وقد أعطاه الله عز وجل هذا الحق فلماذا نحرمه من حقه, ولهذا ففي كل القضايا التي تطرح أقول إن فلانا من الفقهاء قال كذا وغيره قال كذا, وأقول للناس أنتم لكم الحرية في الإختيار بين هذه الآراء الفقهية, لأنكم لستم أصناما بل أنتم مكرمون, والحق سبحانه وتعالي, والرسول صلي الله عليه وسلم يقول إستفت قلبك وإن أفتاك الناس, وأحذر الناس من التبعية لأي رأي دون قناعة ولكل إنسان أن يختار بحسب مايطمئن إليه قلبه. حاسبوني علي نقل الأقوال لأصحابها, فإن كنت صادقا فيما أقول ألا أستحق التقدير من أهل العلم علي هذه الأمانة العلمية التي يجب أن يسمع لها, لاتوجد أقوال تنسب لي حتي هذا الوقت وكنت أتمني أن يكون لي إدلاء بفكرة مبتكرة لم يسبقني فيها أحد لكن حتي هذه اللحظة أحكي ماسبق للمجتهدين السابقين والمعاصرين, وأضرب مثلا بقضية أن يكون رئيس الدولة قبطيا في بلد مسلم, فقد حكيت ما قاله الدكتور محمد سليم العوا والشيخ راشد الغنوشي وعن بعض أهل العلم ليس هذا قولي, فهل نقل أقوال العلماء وبيان القول والقول الآخر جرم؟, والرسول صلي الله عليه وسلم في حديث عن بريدة قال إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم علي حكم الله فلا تنزلهم علي حكم الله ولكن أنزلهم علي حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا, وهذا يوضح أن حق المجتهدين أن يستنبطوا ومن يستنبط ينسب الرأي له ولا ينسب للشرع, لأن حكم الله لا يعرفه أحد, وبالتالي فالاجتهاد حق للمتخصص والاختيار حق لغير المتخصص, وأنا مهمتي تنوير الناس بحقهم في الإختيار من خلال عرض أقوال المتخصصين من أهل العلم. معني هذا أنك تري أن عدم معرفة الفرق بين الأحكام الشرعية والأحكام الفقهية السبب في هذا الاتهام؟ هذا صحيح تماما وقد ألفت كتابا في هذه القضية وحصلت به علي جائزة الدولة التشجيعية وكان بعنوان المهارة الأصولية وأثرها في التجديد الفقهي, لأن علم الأصول يعلم الفقيه ويساعده علي استنباط الأحكام, وبالنسبة للفرق بين الأحكام الشرعية وبين الأحكام الفقهية, أن الأولي هي خطاب الله,وهي أحكام لايمكن تطبيقها ويستحيل الوصول لمعرفتها إلا عن طريق نبي, وهي أحكام ثابتة دائما ولا تتغير, أما الأحكام الفقهية فهي أثر خطاب الله أي ما فهمه الفقيه من خطاب الله, وهي متعددة بتعدد الفقهاء, كما أنها متغيرة فالفقيه قد ينتقل من رأي لآخر, وهي أحكام بشرية غير معصومة ومن الممكن أن نتهمها بالخطأ عكس الأحكام الشرعية التي هي خطاب الله عز وجل سواء في القرآن الكريم أو عن طريق الوحي للرسول صلي الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوي, فالأحكام الشرعية لا تطبق لكن الذي يطبق ما فهمه الفقيه, والفقيه متعدد فليس لدينا فقيه واحد, وكل فقيه من حقه أن يجتهد, وهنا أقول إن الآية القرآنية مثل الكعبة والفقهاء يلتفون حولها وكل واحد ينظر إليها من زاوية معينة, فوظيفة الفقيه أن يوضح كل الأوجه للدليل الواحد. وكيف تري هذه التعددية الفقهية في المسألة الواحدة؟ نؤكد أن التعددية الفقهية ضرورة شرعية وجزء من الشريعة, لأن وظيفة الفقيه أن يأتي بالأوجه المحتملة من الدليل, ففي الآية القرآنية وامسحوابرؤوسكم, هناك عدة أقوال فقهية, من الممكن أن يكون المقصود مسح جزء قليل من الرأس أو كل الرأس أو ربع الرأس أو ثلثها أو ثلثيها, فإذا التزم المكلف بأي قول من تلك الأقوال فهو ممتثل للآية الكريمة, ويشير إلي أن المجتمع المسلم عاش في القرون الأخيرة بعيدا عن هذه التعددية الفقهية وتحديدا بعد الإستعمار, وإنشغال الناس بمقاومة المعتدين صرفهم عن دراسة العلوم الشرعية بتعدد أوجهها, والبعض أراد أن يريح نفسه من معرفة الأوجه الفقهية فعمل علي توجيه الناس لرأي واحد, فلماذا لا نسترجع ما كان عليه السلف الصالح أيام الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة الذين أناروا عقول الناس وأفهموهم أن الشرع له مسالك والفقه متعدد الطرق, وليس بطريق واحد وكانوا سعداء بهذه الرحمة, فإذا كان لمثلي ولغيري من محبي العلم والفقه أن يعيد المسلمين إلي سيرتهم الأولي أيام الرسول صلي الله عليه وسلم وأيام الصحابة فلماذا يعترض البعض ويري أن هذا خطأ, ويضرب مثلا لتأكيد أن هذه التعددية أمر بها الرسول صلي الله عليه وسلم والدها, فالسيدة عائشة رضي الله عنها قالت للرسول صلي الله عليه وسلم يا رسول الله بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت وأفطرت وصمت, قال: أحسنت يا عائشة, أيضا في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم سافر صحابيان وعند الصلاة لم يكن هناك ماء فتيمما وصليا, ثم وجدا الماء, فتوضأ أحدهما وصلي والثاني قال لقد صليت, وبعد العودة سألا الرسول صلي الله عليه وسلم, فقال للذي أعاد الصلاة لك الأجر مرتين وقال للثاني أصبت السنة, فهذا الموقف يؤكد أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد أسس لإعمال العقل والتعددية الفقهية, فالإسلام لم يأت لحمل الناس علي وجه واحد, لأنه جاء رحمة للعالمين, فكيف يكون رحمة بدون تعددية ؟! لكن الشخص العادي قد يقف حائرا أمام هذه الآراء الفقهية المختلفة في القضية الواحدة؟ يستحيل أن تكون هناك حيرة إلا عند من يظن أن الحق في الدنيا واحد, فعلي الإنسان أن يدرك أن الله عز وجل أعطاه العقل وجعله مكرما ويريد له العزة والإستقلالية, وكل هذه الآراء الفقهية صحيحة الاستنباط وصادرة من أهل الذكر فكان الاختيار منها آمنا, وعليه أن يستفتي قلبه, وأن يختار بما يناسب ظروفه الشخصية ولا يربط إختياره بإختيار الآخرين أو يربط اختياره باختيار داعية أو رجل دين يحبه, لأن كل إنسان مختلف عن الآخر, ويجب أن يخاف الإنسان من الخطأ لو اختار أي من هذه الآراء الفقهية, لأنه إذا أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران, والحق سبحانه وتعالي يقول وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما, ويري أن الداعية عليه أن يبين للناس ويرفع يده عنهم ولايبطش بها ويفرض رأيه عليهم, فهذه ليست وظيفته, فوظيفة الرسول البلاغ, وكان صلي الله عليه وسلم يقول لفاطمةاعملي خيرا إني لا أغني عنك من الله شيئا يوم القيامة, والحق سبحانه وتعالي يقولوأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون, وهذه الآية توضح أن الله عز وجل يأمر الإنسان بأن يعمل عقله ويختار, وهذا مانرد به علي دعاة توحيد الرأي الفقهي والذين يريدون حشد الناس علي رأي واحد وإلغاء عقلهم, ولهذا فالفقيه لابد أن يكون متواضعا, ويبين للناس أقوال الفقهاء ولايفرض رأيه عليهم ولايظن أنه بلغ حد الكمال من العلم. ماذا تقول لمن يحب منهجك في التخيير الفقهي وماذا تقول لمن يهاجمك فيه؟ أقول لمن يحب المنهج الفقهي المقارن ابحثوا عن العلم والفقه بكل أوجهه في تحد مع دعاة التجهيل حتي ترتقوا الدرجات العلا كما قال تعالي يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات, وأقول لمن يهاجمني في منهج التخيير الفقهي رسالتين, الرسالة الأولي: إن المنهج الفقهي المقارن الذي أعرضه للناس هو منهج الإسلام الصحيح والسلف الصالح الذي يحترم إنسانية الإنسان وفطرته كما أخرج أحمد عن وابصة بن معبد أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له استفت قلبك وإن افتاك الناس وأفتوك, وأخرج ابن عبد البر عن الشعبي قال اجتمعنا عند ابن هبيرة في جماعة من قراء أهل الكوفة والبصرة فجعل يسألهم حتي انتهي إلي محمد بن سيرين فجعل يسأله فيقول له: قال فلان كذا وقال فلان كذا وقال فلان كذا, فقال ابن هبيرة قد أخبرتني عن غير واحد, فأي قول آخذ ؟ قال: اختر لنفسك, كما أخرج عن عمر بن عبد العزيز قال: ما أحب أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنه لو كانوا قولا واحدا كان الناس في ضيق, وأنهم أئمة يقتدي بهم, فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة, الرسالة الثانية: إن التشكيك في ضمائر الناس وأنهم سيختارون بضعف نفوسهم القول الذي يتفق مع هواهم تشكيك مبني علي اتهام العابدين في ذممهم, ولو كان هذا صحيحا ما كلفوا أنفسهم البحث عن القول الفقهي بسؤال الشيخ, ثم ماذا علي المسلم لو اختار القول الأيسر له وهو قول صادر من أهل الذكر, وقد أخرج الشيخان عن عائشة أن النبي صلي الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما, وعن أنس بن مالك أن النبي صلي الله عليه وسلم قال يسروا ولا تعسروا وبشروا ولاتنفروا. وهل نحن في حاجة لفقه جديد وهل المذاهب الفقهية القديمة تعد صالحة في الوقت الحالي ؟ الفقه القديم هو فقه العصر بعيدا عن التجريف والتشويه الذي حدث, لكن البعض يظن أن الفقه قانون, وهناك فرق كبير, فالفقه رحمة وسعة, أما القانون فهو إتفاق والتزام, ويضرب مثلا علي ذلك بالخلع, هناك رأيان الأول رأي الجمهور يقول إن الخلع طلاق, والرأي الثاني لأحمد بن حنبل والقديم عند الشافعية يقول إن الخلع فسخ, وطبقا للرأي الأول لو طلق الرجل زوجته مرتين وخلعته في الثالثة أصبحت لاتحل له حتي تنكح زوجا غيره, وبالنسبة للرأي الثاني لو وقع الخلع بعد مرتين من الطلاق يعتبرالخلع فسخا, ويمكن لهما أن يتراجعا بزواج جديد ولو خلعته مائة مرة, هذا هو الفقه, ومادام في ساحة الفقه فنحن في سعة ورحمة, وبالنسبة للقانون عندما أراد المجتمع أن ينظم أمور الحياة ووضع توثيق الزواج والطلاق في عام1931 لم يكن هناك حديث عن الخلع, وفي عام2001 إتفق المجتمع علي العمل بقول الجمهور الذي يري أن الخلع طلاق ونص القانون علي ذلك وترك الرأي الثاني وهذا طبيعي لأن القانون عندما يأخذ برأي فقهي فإنه يخالف الرأي الثاني وكلا الرأيين يجوز العمل بأحدهما, هنا أصبح الوجه القانوني واحدا, ولو لم يكن هناك قانون لكان كل إنسان لديه الحرية في اختيار أي من الرأيين, لأننا عندما نكون في الفقه نكون في سعة, أما عندما ننتقل للقانون فإننا نضيق لأننا سنلتزم بالرأي الذي اتفقنا عليه, ولو اتضح لنا بعد فترة مثلا أن هذا الرأي لم يعد مناسبا وأردنا تغيير القانون واخترنا الرأي الذي يقول إن الخلع فسخ, فنحن لم نغير في الشرع لكن غيرنا الوجه الفقهي وهذا جائز, وإذا كان الإمام الشافعي قد غير مذهبه بعد نزوله مصر وانتقل من فقه إلي فقه, فلماذا نحرم أنفسنا من ذلك مادام أن الشرع لم يمنع. الفكر التكفيري عاد بقوة في الفترة الأخيرة كيف تري إمكانية مواجهة تلك الأفكار؟ أري أن هذه نهايات الأفكار التكفيرية, وهذا الفكر قديم وأفلس, لأن الفكر التنويري الذي يجب أن يعرفه الناس بدأ يظهر لتصحيح هذه الأفكار, وأن حق الإنسان في عبادة الله أن يكون بدون واسطة, وأصحاب هذه الأفكار يريدون أن يكونوا واسطة بين العبد وبين الله عزوجل, وأقول لهؤلاء إن الرسول صلي الله عليه وسلم مبلغ والعلماء ناقلون, والناقل لا يمكن أن يكون وليا أو وصيا, وأنتم لن يكون مقامكم أفضل من مقام الرسول صلي الله عليه وسلم وهوالإبلاغ, وإذا كان البعض يدعي أنه يمثل الإسلام الصحيح فهذا في وجهة نظره وليس في واقع الأمر وإلا كان زعما للنبوة والعياذ بالله. ويضيف أن الإسلام هو ما يطمئن إليه قلبك لا ما يفرض عليك والإيمان بالإكراه مرفوض لقوله تعالي: إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء, فالهداية من الله لعبده دون واسطة مخلوق, ويوجه رسالة لأصحاب هذه الأفكار قائلا: لوتعمدتم الوقوف بين الله وبين عبادة, فإما أن تكونوا شركاء لله ونحن نستعيذ بالله أن تكونوا كذلك, وإما أنكم تعتقدون أن أحكام الآخرة عجلت في الدنيا فلم تعد الدنيا دار عمل وهذا باطل بالإجماع, فلا يمكن إجبار أحد علي فعل شيء فكيف تجبر شخصا علي الصلاة وقلبه لايصلي, وكيف تجبر المرأة علي الحجاب وقلبها غيرمقتنع, فالنية أول شروط صحة العبادة, فكيف نقبل عبادة بدون شرطها الأول, والنية أمرشخصي ذاتي لا ينوب فيه أحد عن أحد, وكيف تجعلون الناس عبيدا لله بدون نية والنية لا يملك مخلوق أن يصدرها إلا صاحب الشأن نفسه, ولابد أن تكون الوظيفة البلاغ, وكل إنسان سيحاسب علي مافعل يوم القيامة.