وسط اسبوع مملوء بكل الاحاسيس والمشاعر الوطنية الفياضة, واسبوع اختلط فيه الأمل بالألم, واختلطت فيه دموع الفرح بدموع الحزن علي من استشهدوا سواء وهم يعبرون عن مطالب الثورة او وهم يدافعون عن حرية مصر وكرامتها, تعلقت الانظار ليلة الاربعاء, وحبست الانفاس انتظارا لساعة الخلاص من العناد والمكابرة والاستقواء والانفراد وحب السيطرة وعقلية الانتقام والبغض والكره وتشويه الصور... انتظرنا ساعة استرداد مصر لمكانها الطبيعي ولدورها الطبيعي ولعظمتها الطبيعية ولقوتها وقوة شعبها وعظمتهم... وكما قلت أحمد الله أن اعطاني من العمر لأشهد هذا الحدث الشعبي والانساني الذي سيدرس حول القدرة السلمية للشعوب علي إقرار ما تراه في صالحها. ولعل الجميع يجمعون علي ان القضية الاقتصادية هي محور حياتنا المستقبلية, والبداية دائما في معالجة القضايا الكبيرة هي أن ننجح في تشخيص المشاكل, ثم نتحول الي تحديد الاولويات, ثم نتجه الي اتخاذ الاجراءات العاجلة ثم تلك الآجلة للعلاج. ولو بدأنا بتشخيص حالة الاقتصاد المصري حاليا لوجدنا مصدرين متكاملين للخلل الاقتصادي الذي تعاني مصر حاليا هما الخلل الداخلي, والخلل الخارجي. وسأركز في هذا المقال علي الخلل الداخلي الذي تتمثل مظاهره التي نسوقها ليس علي سبيل الحصر فيما يلي: أ. نقص الطاقات الانتاجية السلعية والخدمية. ب. نقص الموارد المالية ممثلة في عجز الموازنة العامة للدولة ج. ارتفاع الاسعار والتضخم. د. ارتفاع معدلات البطالة. ولكي نبدأ بعلاج الخلل الداخلي بمظاهرة سالفة الذكر لابد من حصر أولوياتنا, وربما لا يختلف اثنان علي أن الاولوية الاولي داخليا هي مشاكل الانتاج والخدمات التي في اعتقادي هي حجر الزاوية لبناء المستقبل, والتي يمكن من خلالها التخلص تدريجيا من مشاكل ارتفاع الاسعار ومشاكل البطالة. فلا مفر من البدء بعلاج مشاكل نقص الطاقات الانتاجية التي تأثرت كثيرا خلال العامين الماضيين بالعمل بجد وبسرعة للمساعدة علي رفع معدلات النمو الاقتصادي في كافة قطاعات الانتاج السلعي والخدمي, لتعويض ما فات المصريين خلال30 شهرا الماضية منذ يناير.2011 فالانتاج الصناعي يجب ان يسترد عافيته, ولابد من عودة المصانع المغلقة للعمل لامتصاص البطالة التي ترتبت علي إغلاقها, ولا مفر من ضرورة بل وحتمية تشجيع تلك المصانع التي خفضت من طاقاتها الانتاجية خلال الفترة الماضية لتعمل بأقصي قدر ممكن من طاقاتها. ولابد أيضا من توفير القدرة علي حفز نمو قطاع الانتاج الزراعي القوي لأنه القطاع الذي تحمل عبء توفير غذاء المصريين طوال عامين, وبالطبع فإن هذا النمو لا بد وأن يبني علي قواعد لترشيد استخدام مياه الري التي لابد أن تولي أهمية كبيرة في المستقبل القريب. ولقطاع الكهرباء أهمية كبري في خطط علاج الخلل الداخلي, ليس بالترشيد في الاستهلاك فقط, وليس بفرض المزيد من تحميل المواطنين بمشاكل القطع المبرمج, ولكن ببناء طاقات توليد جديدة تأخذ في اعتبارها القدرات الانتاجية المصرية من المشتقات البترولية وقدرات توفير الغاز الطبيعي. ويجرنا هذا الحديث الي تناول قطاع البترول والغاز الذي يجب ان يشجع الاستثمار فيه ليس فقط لتوفير احتياجات قطاعات الصناعة والكهرباء, ولكن لبناء مستقبل آمن لقطاع الطاقة يوازن بين الطلب والعرض. فنحن لا نريد ان نسمع عن أي نقص في المعروض من المحروقات كالبنزين والسولار مستقبلا, ولا نريد إضاعة وقت العمل في الانتظار في طوابير وصفوف الانتظار ونهدر هذا الوقت فيما لا يجب أن يهدر فيه, ولا نريد أن نري أنفاقا مفتوحة لتهريب انتاجنا المدعم للغير.. أما قطاع السياحة, وهو القطاع الخدمي الاول الذي يستوعب أعدادا ضخمة من الاسر المصرية ويفتح وراءه آفاقا كبيرة للنمو فلست ممن يستطيعون نكران فضله علي الاقتصاد المصري, وسواء كان هذا القطاع يضم الفنادق والقري السياحية والمنتجعات او كان يضم اساطيل النقل السياحي البري والنهري العاطلة, او يضم البازارات والمحال التجارية المرتبطة بالقطاع, فلابد فورا من اتخاذ كل ما يلزم لإستعادة حجم السياحة الوافدة الي سابق مستواه, ليس فقط بالاستقرار السياسي والامن وهما عنصران اساسيان في معادلة المعروض السياحي, ولكن ايضا بالتنشيط والترويج الجيدين, وبالتسعير المقبول الذي يعكس القوة الشرائية للجنيه المصري, وكذلك بتقديم الخدمات والمنتجات غير المسبوقة للسائحين. ولا يجب ان تنسي الحكومة الجديدة قطاع النقل والمواصلات بما يشمله من طرق مهملة ومشروعات غير مستكملة وبنية أساسية ضرورية لتحقيق النمو الاقتصادي. ولا يجب ان تنسي أيضا قطاع الخدمات الصحية الضروري لتوفير مستوي جودة أعلي للحياة لمختلف فئات المصريين في كافة ربوع مصر. ولكي يتحقق كل ما سبق فسوف يسألني القارئ من أين نأتي بالتمويل اللازم لتنفيذ خطة علاج الخلل الداخلي في قطاعات الانتاج ولدينا تركة مالية ثقيلة تركتها حكومات هاوية ؟..حكومات ركزت علي المظهر... ونسيت الجوهر المحرك للإنتاج والاسواق.... كيف نستطيع ذلك بعجز مالي بلغ حتي نهاية مايو2013 نحو214 مليار جنيه مصري؟؟.. كيف نبني والدولة مدينة.. والقطاع الخاص كذلك؟؟ أدعي أن إعادة بناء الثقة هو الاساس الجاذب للمال... والمحفز علي الاستثمار محلي المصدر... والاستثمار خارجي المصدر...وحقيقي أن بناء الثقة سيحتاج سنين طويلة... وبما أننا شعب المعجزات, وبما أنني لا أستطيع أن أنكر صعوبة سرعة بناء الثقة في الاجل القصير, إلا اننا لن نعرف المستحيل, وأقول.. إن ثقة المصري ببلده هي الحافز لبناء ثقة غير المصري...فلن تبني مصر المستقبل إلا بثقة ابنائها فيها.. لكن ماهي إجراءات بناء الثقة المطلوبة حاليا, يمكنني أن أسوق بعض من تلك الإجراءات فيما يلي: دعوة المستثمرين الوطنيين لإجتماع عاجل والاستماع لهم وتحويل مقترحاتهم لبرنامج عمل وطني تقسيط سداد المستحقات الضريبية للمستثمرين قدر المستطاع السعي لتنمية الموارد المالية للحكومة من خلال حلول غير تقليدية تنمي قدرة الدولة علي تعبئة الاموال من ممتلكاتها العامة تمويل مشاريع استثمارية خالقة للوظائف وسريعة العائد من خلال أدوات تمويلية مبتكرة ومنها صكوك التمويل وضع معالجة جادة وفي إطار قومي لمشاكل مديونيات المستثمرين للبنوك المصرية بما في ذلك انشاء كيان او صندوق وطني لشراء تلك المديوينات. وخفض اسعار الفائدة علي الائتمان تدريجيا تشجيعا للإستثمار والرفع التدريجي لحظر تحويل الاموال للخارج خصوصا للمصريين العاملين بالخارج وتوفير احتياجات قطاعات الانتاج من الطاقة والمواد الخام وتقييد وتجميد المطالبات الفئوية لمدة عام ووضع سقوف للمديونية الخارجية للدولة ولعبء الدين الخارجي والداخلي. وأخيرا أقول هل ستوقف مسيرة التنمية اضرابات ووقفات احتجاجية, هل ستوقف مسيرة البناء مطالبات بزيادة الاجور والمكافآت, هل ستوقف مسيرة البناء معاول الهدم ممن يبغضون رؤية مصر تنمو, هل ستقطع الطرق وتستشري أعمال البلطجة وترويع الشعب الآمن. لا لكل ما سبق, فنحن شعب واع وقادر علي تمييز ما يحتاجه وما في صالحة. لا يجب ان ننظر الي الوراء... لنجعل وجهتنا هي المستقبل... الامام... الامل والرجاء... والله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا... لمزيد من مقالات د. محمود ابوالعيون