مهما توالت الأجيال وتراكمت الأحداث واختلت القيم والموازين في هذا العالم المليء بالضجيج والحروب المختلفة, ومهما انشغل العالم بكل المتناقضات سيظل البحث دائما وأبدا عن غذاء الروح الذي يؤدي إلي الإبداع والإلهام الفكري الراقي. أما غذاء الروح الذي أتحدث عنه اليوم فهو من إبداع فنان موسيقي إيطالي بارع, أبدع في التأليف الموسيقي كما لم يبدع من قبله فنان وكأن أول من وصف الطبيعة بالموسيقي فحازت أعماله الرائعة الإعجاب من جميع شعوب الأرض فاستطاع أن يستقطب العالم, أحب الموسيقي الراقية فأحبته الأنغام الحالمة, فاستولي علي قلوب الملايين قبل عقولهم. ولد أنطونيو فيفالدي1678-1741 في مدينة البندقية الإيطالية كان والده قسيسا وعازفا علي الكمان ودرس أنطونيو الموسيقي العالمية في معاهد الموسيقي الإيطالية ثم أنضم إلي الاوركسترا التي يعزف فيها والده ثم بدأ تدريبه العزف علي الكمان في معهد للبنات اليتيمات لكن صحته الهشة لم تحتمل مهام التدريس الموسيقي والعزف في الاوركسترا في نقس الوقت ثم استطاع أن يكون اوركسترا خاصة به شخصيا وبدأ يتجول معها في جميع المدن الأوروبية واستطاع بعد ذلك تأليف كونشرتو الفصول الأربعة والذي يعتبر أجمل وأشهر أعماله الموسيقية وكان بارعا في إظهار جمال التناسق الفني الشديد التأثير في ربط الحوار الموسيقي الرائع بين السوليست وأعضاء الاوركسترا وبذلك أصبح هذا العمل الجدير بالاستماع هو الطريق السهل الممتنع لوصول فيفالدي إلي العالمية كما أنه الوحيد الذي كتب كونشرتو لأربع آلات كمان بمصاحبة اوركسترا الوتريات, وهو حدث فني رائع لم يتكرر حتي اليوم, وقد ذاع صيته في المدن الأوروبية ليس كمؤلف موسيقي بارع فحسب بل أيضا كعازف كمان فنان يبهر ويستقطب مستمعيه وهذه الفصول الأربعة تعتبر حدثا موسيقيا تاريخيا حيث يعتبر فيفالدي أول من كتب الموسيقي التصويرية في العالم وكان بارعا في التصوير الموسيقي لهذا العمل لدرجة أن هذه الفصول الأربعة تعتبر علامة من علامات الأداء الموسيقي الرائع للعازف السوليست حيث يتطلب أداؤه إمكانيات تكتيكية عالمية, ومهارات موسيقية غاية في الصعوبة لكن سيظل هذا الكونشرتو علامة من علامات الموسيقي الراقية تستحق التقدير والاحترام.