لم يكن خطاب مرسى الأخير يحمل جديدا، سوى لغة التهديد والوعيد، ولا تنس من فضلك الثقة الخائبة -منزوعة الدسم– عديمة الطعم، فارغة المحتوى، وللتاريخ: كانت مأساة الرجل المروعة، فيمن حوله –الأهل والعشيرة- الذين وضعوه فى مواجهة شعبٍ تستحيل مقاومته، ومن المحال تطويعه ... شعب لم يرضخ من قبل لا للهكسوس، ولا للإنجليز ولا لغيرهم ... شعبٌ انصهرت داخله كل الحضارات.. ولم ينصهر... فكيف يأتون اليوم بقومٍ يحملون كل هذه الصفاقة، يريدون إرهابه وإخضاعه ... شعبٌ لا ينكسر، ولكنه يكسر من يعانده، حتى ولو كان مرسى وجماعته، الذين لم يفهموا من يعاندون، واتهموه تارة بالفلول، وتارة بالخمور، وثالثة بالكفر ... شعبٌ علم الدنيا معنى الإيمان، فجاءه الإخوان ليدخلوه حظيرة السمع والطاعة، فأعادهم إلى جحورهم، وأحجامهم الحقيقية، لأنهم لم يتعلموا أنه شعبٌ يحطم الأغلال، وأن كلمته هى العليا، وتهديدات الآخرين هى السفلى ... شبابُه لم يعش من قبل فى جحورٍ مظلمة ... اعتادوا الحرية، ولم يعهدوا كل هذا الكم من الصلف والكبر، ولم يعرفوا هذا الغرور المقيت ... توحدت الكلمة على شىء واحد "مصر"، واختفت كل الألوان، إلا علم مصر الذى يحتضن الجميع، ولا يخشى نفيرا عاما، أخافونا به، ولا جهادا يرعبون به الناس، فمصرُ أبقى ... كتبتُها مرارا ولم يسمعنى أحد، مصر أكبر من أن يبتلعها فصيل، أو يستحوذ عليها ظلامُ الجاهلية الأولى ... لقد أعطاكم الشعب فرصة لم تكن والله لتخطر حتى على خيالكم، وصفق لكم، فصدمتموه، وشد على أيديكم فخذلتموه، ثم فى النهاية كفرتموه، وعشتم فى أبراج عالية تتكبرون، وما كان هدفكم سوى التمكين وأخونة كل ما تصل إليه أيديكم، فأىُ وطن كنتم تريدون أن تضيعوه، بنهضة لا يملؤها إلا الكذب والخداع، ولا يحيطها إلا الزيف والضلال ... عاديتم كل شىء فى الوطن، إلا السمع والطاعة والتمكين ... أردتم أن تغيروا هوية شعبٍ بنشر فكركم المقيت،الذى فرق وقسم وشطر أبناء شعبٍ لم يعرفوا يوما إلا الامتزاج والوحدة بينهم،فكنتم أساتذة كبارا فى الاتجار بالدين، ولكن الشعب الواعى اكتشف مخططكم مبكرا، بدين جديد–لا أعرف من أين أتيتم به ؟!!- كنتم تحاولون نشره وفرضه عليه، رغم دخوله الإسلام الحقيقى قبل نشأتكم ... شعبٌ كان يطمح فى رئيس حقيقى بعد ثورته الأولى، يستمدُ منه الروح والأمل ... يوحدُ بين صفوفه، لا صفوف جماعته، يستمع له، لا لمرشده، ولكنكم خدعتمونا ... شعبٌ يفخر بقواته المسلحة الشريفة، التى ما إن ينادى عليها فتلبى النداء،حفظها الله، وليس عندى أصدقُ من قول الرسول –عليه الصلاة والسلام- عنهم: "خير أجناد الأرض" ، وفي نهاية لا يسعني إلا أن أقول لمرسي وجماعته: شكرا لحسن تعاونكم معا. [email protected] لمزيد من مقالات أيمن عثمان