لم أجد بطلا لعام2011 أهم من ميدان التحرير الذي أصبح حديث العالم وأصبح عنوانا لثورات الربيع التي شهدها العالم العربي وامتد تأثيرها إلي دول أخري أصبحت تحلم بأن تقتفي الأثر, وربما كان لاختيار مجلة تايم الشهيرة للثائر العربي كشخصية العام دلالته في مدي الدور الذي لعبه كل ثائر خلال عام2011, ولكن بالنسبة لمصر فلا شك أن ميدان التحرير هو أهم شخصيات هذا العام الذي لولاه ربما ما نجح الثائر المصري في تحقيق ثورته. منذ سنوات طويلة ارتبط ميدان التحرير في ذهن ملايين المصريين بجامع عمر مكرم أشهر مساجد مصر في توديع الجنازات وسرادقات العزاء. أما بالنسبة للعالم فلم يكن هناك من يعرف عن هذا الميدان أو يذكر اسمه بين الميادين العديدة التي اشتهرت وعلي رأسها ميدان تيان آين مين في العاصمة الصينية بكين الذي ترجع شهرته إلي تظاهرات شباب الصين الضخمة خلال سنوات الثورة الثقافية في عام1966 ومذبحة الشباب في يونيو98 وغيرها من الأحداث, وهذا الميدان تبلغ مساحته440 ألف متر مربع( أبعاده880 مترا*500 متر) أي أنه أكثر من مائة فدان. وبرغم ذلك فهو وإن كان الأشهر إلا أنه يأتي في المركز الثالث بين أكبر ميادين العالم. ففي أندونيسيا في العاصمة جاكرتا يوجد ميدان ميرديكا(Merdeka) أي الاستقلال وتبلغ مساحته كيلو مترا مربعا أي نحو مائتين وخمسين فدانا ويقع في قلب العاصمة الإندونيسية ويضم أهم المباني الحكومية والمحكمة العليا إلي جوار قصر الرئاسة الذي أقيم عام1873 ليكون مقرا للحاكم الهولندي خلال فترة احتلال هولندا إندونيسيا. وفي المركز الثاني بعد هذا الميدان يأتي ميدان زهور الشمس (PracadosGirassois) في البرازيل وتبلغ مساحته570 ألف متر مربع. ميدان التحرير ليست هناك مقارنة بين مساحته الصغيرة ومساحة الميادين الأخري, إلا أنه منذ25 يناير2011 أصبح ميدان التحرير الأشهر في العالم إلي درجة قيام بلدية باريس بتغيير اسم واحد من ميادينها الكبيرة( ميدان نانتس) وجعل اسمه ميدان التحريرPlacetahrir, في الوقت الذي أصبح اسم التحرير وصور حشود شباب الثورة فيه صورا ثابتة في مختلف تليفزيونات العالم وصحفه, ولم يعد زائر كبير أو سائح يزور مصر إلا وكان من بين برنامجه زيارة ميدان التحرير الذي استطاع إسقاط واحد من أقدم أنظمة الحكم! لماذا ميدان التحرير؟ وقد كانت ثورة يناير أول حركة شعبية تستخدم ميدان التحرير فقبل ذلك كان الذين يخرجون في وقفات احتجاجية يقصدون دار القضاء العالي احتماء بالقضاء ثم اتجهوا إلي سلالم مبني نقابة الصحفيين التي أصبحوا يستخدمونها كثيرا, وفي خلال عام2010 الذي شهد أكبر عدد من احتجاجات أصحاب المطالب الفئوية خلال حكم مبارك كانت الوقفات الاحتجاجية تتركز أمام رصيف مجلس الشعب الخلفي في شارع قصر العيني. وحسب أقوال المشاركين في مظاهرات25يناير التي أنقلها من بعض صفحات كتابي: الصعود والسقوط.. الفصل السادس: الطريق إلي ميدان التحرير, اعترف لي أحد الشباب الكثيرين الذي استمعت منهم أنهم لم يقصدوا في ذلك اليوم لا ميدان التحرير أو إسقاط نظام حسني مبارك. وقال إنه لم يخطر ببالهم يوم25 يناير طلب إسقاط حكم حسني مبارك ولكن غباء وسوء إدارة الأزمة هما اللذان أديا إلي هذه النتيجة. وقال لي شاب آخر: عندما حددنا يوم25 يناير كي يكون موعدا للوقفة الاحتجاجية التي قررناها كان هدفنا أن ننكد علي الشرطة فاخترنا اليوم الذي يجعلونه عيدا لهم ليكون يوما نحتج فيه علي ممارساتهم... وكانت المفاجأة الاعداد الكبيرة من المتظاهرين والشباب الذين توافدوا في هذا اليوم في أماكن مختلفة. قبل ذلك كان عدد الشباب الذين يتجمعون مائة شاب يحيط بهم خمسة آلاف عسكري من الأمن المركزي مما كان يجعل الجنود هم المتظاهرون. وقال شاب آخر عندما رتبنا ليوم25 يناير كنا نتصور سيكون يوما عاديا ولكن ما حدث في تونس وإسقاط الشعب التونسي نظامه الدكتاتوري, أوحي لنا بأن نذهب إلي ما هو أكثر من وقفة احتجاجية ولكن سقف مطالبنا التي حددناها في أول بيان أصدرناه هو ألا يعيد حسني مبارك ترشيح نفسه أو يرشح ابنه جمال, وإلغاء قانون الطوارئ, وإقالة وزير الداخلية حبيب العادلي الذي إعتبرناه مسئولا عن إثارة قضية الفتنة الطائفية وإهماله في حماية الكنائس. ويعترف شاب آخر أنهم تعلموا من وقفات الاحتجاجات السابقة وعن طريق استخدام الفيس بوك والتويتر والمحمول كيف يمكن أن يخفوا مراكز تجمعاتهم ويفاجئوا بها الأمن. ونتيجة لذلك كانت هناك يوم الثلاثاء25 يناير أكثر من مظاهرة في المطرية وشارع قصر العيني وشبرا ودار القضاء العالي, وأول مظاهرة كسرت حاجز الأمن كانت القادمة من شارع قصر العيني في اتجاه ميدان التحرير. وكانت الفتيات اللاتي تقدمن المظاهرة أول من كسرن الحاجز الأمني وبعد ذلك تفرق المتظاهرون عندما وجدوا أنفسهم في مواجهة مع الأمن في شوارع جاردن سيتي التي تشبه بيت جحا, إلي أن وجدوا أنفسهم علي غير اتفاق في ميدان التحرير فوجدوه واسعا ومكشوفا ويسهل الوقوف فيه. وأجروا فيما بينهم ومع الآخرين في الأماكن الأخري اتصالات فجاءت الوفود تلو الوفود إلي الميدان. ولم يكن هناك مكان آخر يمكن أن يتسع لهم مثل هذا الميدان فقرروا الإقامة فيه. وفي الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل كان عددهم قد أخذ يقل وراح من بقي يفكر في العودة إلي بيوتهم, فاجأتهم الشرطة بهجوم استمر إلي الواحدة من ظهر اليوم التالي( الأربعاء) فكان أن قرروا قبول التحدي والاستمرار في ميدان التحرير, إلي أن تداعت الأحداث التي شهدت استسلام جهاز الشرطة أولا وبعد ذلك استسلام رأس النظام. من الإسماعيلية إلي التحرير وميدان التحرير اسمه الأصلي ميدان الإسماعيلية نسبة إلي الخديو إسماعيل الذي كان قد أقام قصر عابدين في إطار طلب فيه تصميم المنطقة التي حوله وكانت معظمها أراضي زراعية لتكون حي وسط المدينة الجديد ويكون باريس علي ضفاف نهر النيل, وبعد ثورة الشعب عام1919 اشتهر باسم ميدان التحرير إلا أنه لم يتم تغييره رسميا إلا بعد ثورة.1952وقد أضاف إلي شهرة الميدان مبني مجمع المصالح الحكومية الذي صممه المهندس كمال إسماعيل الذي توفاه الله في أغسطس2008قبل خمسة أسابيع من بلوغه سن المائة, وإلي الأسبوع القادم بإذن الله. [email protected] المزيد من أعمدة صلاح منتصر