هنا القاهرة.. الآسرة الهادرة الساهرة..الساترة السافرة هنا القاهرة.. الزاهرة العاطرة الشاعرة النيرة الخيرة الطاهرة. هنا القاهرة الصابرة الساخرة القادرة المنذرة الثائرة الظافرة. كلمات أبدع من خلالها الشاعر سيد حجاب وصف عاصمتنا الساحرة الصابرة. المدينة العريقة التي تجمع العديد من المتناقضات.. ودائما ما ترتدي ثوبا فضفاضا يتسع للجميع. عرفت في العصر الفرعوني باسم( من نفر), أي الميناء الجميلة. وتعد من أكثر مدن الشرق التي أستأثرت بالكتابة والتأريخ حيث أطلق عليها لقب' جوهرة الشرق'.. ونظرا لأن عمرها يزيد علي الألف عام.. فشواهد التاريخ تؤكد أن هذه المدينة كانت عاصمة لمصر في أغلب فترات تاريخها. هي أم الدنيا جمالا وهدوءا وصخبا, خاصة في المساء.. فمن يرد أن يستمتع بها فليطف ليلا حيث تتوهج نورا وجمالا طالما تغني به الشعراء والعشاق. رومانسية حالمة... تجمع العشاق, صاخبة ترقص أمواج نيلها علي أنغام موسيقي الزوارق وطبلها وزمرها وتشارك روادها فرحة الغناء والرقص في مجموعات. فتيات وشباب وأسرقرروا الخروج والاستمتاع ونسيان همومهم اليومية ولو لساعات.. قد تطول لتمتد حتي صباح اليوم التالي. قال عنها الكاتب الراحل أنيس منصور أنها مدينة أثرية و ليلا مدينة رومانسية..' نحن سكانها لا نعرف جمالها ودلالها لكن السياح يعرفون.. وإلا لماذا هم حريصون عليها نهارا حول الهرم وليلا في النيل؟' طالما لقبت بالعاصمة الثقافية والفنية والعلمية والتاريخية للعالم العربي والإسلامي..يسكنها ما يزيد علي عشرين مليونا وتصل كثافتها السكانية إلي حوالي15 الف نسمة لكل كيلو متر مربع. وهي بالنسبة للملايين من سكان القري والأقاليم مركز للتعليم والخدمات.. دائما ما كانت تبهرهم بأنوارها وحيويتها ليلا..مسارح وسينمات وأسواق كثير ما كانت حلما للنازحين إليها. وفي أعالي برجها الذي يقع في قلب القاهرة بمنطقة الزمالك ليكشف أجمل ملامحها... وفوق كباريها وعلي شواطئ نيلها تتجلي المتعة ويخرج الناس للتنزه والتحايل علي حالات الإحباط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. لترتدي قاهرة المعز ليلا وجها آخرأكثر إشراقا وفرحة من ذلك المكتظ بالمشكلات نهارا من زحام واختناق وانفلات. فهي كما يقول د. احمد يحيي عبد الحميد أستاذ الاجتماع السياسي أصابها للأسف, العديد من عوامل التلوث البيئي و المروري وأيضا الأخلاقي في السنوات الأخيرة.. حتي أن كورنيش النيل أصبح في معظم مناطقه يحتله الباعة الجائلون و'غرز الشاي' وأصبح الانفلات الأمني والأخلاقي يهدد حتي سهراتها. لكنها تظل نموذجا حيا للمدينة التي لا تنام. الساحرة الساهرة حتي بزوغ تباشير الفجرالأولي في مساجدها ليبدأ يوم جديد يعاني فيه الملايين من سكانها مشاكل نهار جديد. . القاهرة هي تطور لمجتمع استقر منذ أيام الفراعنة عند نقطة تفرع النيل وورثت بعدها من الفرعونية والإسلامية. لتصبح متحفا مفتوحا لعصور مختلفة وتلازم شواطئ النيل بحكم موقعها. تضم آثارا رائعة مثل بيت السحيمي و الغوري و قلعة صلاح الدين الأيوبي وتحتفي بوجود منارات ثقافية وسياحية. وبدأت العمارة الإسلامية فيها علي يد عمرو بن العاص الذي فتح مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي أمره آنذاك ببناء أول مسجد جامع بمصر وهو مسجد عمرو بن العاص وعرف بعدها باسم الجامع العتيق. ليطلق عليها مدينة الألف مئذنة لكثرة مساجدها التي تعود إلي عصور تاريخية مختلفة. ومن بين أهم معالمها قلعة صلاح الدين الأيوبي وكانت مقرا لحكم مصر منذ عهد صلاح الدين الأيوبي1183 حتي نقل الخديو اسماعيل مقر الحكم إلي قصر عابدين.. وتعتبر من أفخم القلاع الحربية التي شيدت في العصور الوسطي. وشهدت العديد من الأحداث التاريخية خلال العصورالأيوبية والمملوكية وأيام الحملة الفرنسية حتي تولي محمد علي حكم مصر وأعاد لها ازدهارها وعظمتها. جذب سحرالقاهرة الليلي رواد الفضاء لتنشر وكالة ناسا صورا التقطها رائد الفضاء باولو ناسبولي من المحطة الفضائية الدولية. في حين نشر رائد الفضاء الكندي كريس هادفيلد صورا للقاهرة الساحرة ليلا علي موقع التواصل الاجتماعي الخاص به تويتر بعد عودته من رحلة فضائية قائلا:' النيل يصب في الدلتا كأنه كائن حي'. متسائلا:' هل تضاء الأهرام ليلا؟' فهل تظل قاهرة المعزآسرة ظافرة.. صدي الهمس في الزحمة والشوشرة.. حيث الحب والحق والرحمة والمغفرة ؟