إذا قيل عن عام1988 إنه بداية صراع ثقافات بديلا عن صراع طبقات وإذا كانت بداية صراع الثقافات مع المحافظين الجدد في أمريكا ومع فقهاء السلطة في البلدان العربية فهل ثمة جديد يمكن أن ينبثق عن ذلك الصراع؟ وإذا انبثق هذا الجديد فكيف ينبثق؟ هل ينبثق آليا أم ينبثق في مواجهة تحد معين؟ وإذا كان ذلك كذلك فالسؤال اذن: ما هو هذا التحدي؟ وتأسيسا علي ذلك السؤال انعقد مؤتمر فلسفي عربي أوروبي في تونس في شهر ابريل من عام1988 وكان موضوعه الفلسفة... تحديات منها وإليها. وأظن أن بحث محمد عبد الهادي أبو ريده أستاذ الفلسفة الاسلامية بجامعة القاهرة وموضوعه تحديات منها وتحديات إليها في الاسلام هو البحث المحوري في ذلك المؤتمر, إذ هو يري أن الالحاد هو التحدي الحقيقي للفكر الإسلامي, ولهذا فان رفض الالحاد هو معيار صدق علم الكلام والفلسفة. وقد قام المعتزلة بهذه المهمة مع بداية تأسيسهم لعلم الكلام, إذ هم أول من كفر الفلسفة اليونانية لأنها تقول بأزلية المادة واستقلال الطبيعة بأفعالها. وكذلك فعل الأشاعرة. وعندما أراد ابن رشد أن يتفلسف علي النمط اليوناني كفر وأحرقت مؤلفاته. وأبو ريده نفسه هو علي شاكلة المعتزلة والأشاعرة, فهاجس الالحاد يهيمن علي عقله إلي الحد الذي يقول فيه إن نشأة علم الكلام مردودة إلي ظاهرة الالحاد. ولا أدل علي ذلك, في رأيه, من أنه عندما انقرض الملاحدة المبدعة في زمن ابن خلدون تواري علم الكلام, ولكنه ظهر مرة أخري مع بزوغ مذاهب مادية لا دينية وأخري الحادية إلي أن جاءت الحضارة الحديثة بانحرافاتها وتنصلت بعض الدول من الدين. وتأسيسا علي ذلك فانه يمكن القول بأن الالحاد هو المولد للفلسفة, وإذا بطل بطلت الفلسفة لأنه لا شأن للفلسفة بغير هذه القضية. وكان من شأن هذه الرؤية أن أسهمت في دفع الجماهير إلي كراهية الفلسفة, ودفعها للسلطة السياسية إلي مطاردة الفلاسفة بل إلي اعدامهم علي نحو ما حدث لابن المقفع والحلاج والسهروردي, وذلك من أجل المحافظة علي الوضع السياسي القائم وعلي المشاعر الدينية السائدة. وكان الخليفة باعتباره أميرا للمؤمنين وقابضا علي السلطتين الروحية والزمانية ملزما بالانصياع لعقلية الجماهير فقام هو أيضا باضطهاد الفلاسفة. وإذا كانت الأضداد في تماس فقد تولد عن ذلك الاضطهاد تيار تحرري يقع خارج العقيدة وهو تيار الزندقة ويمثله ابن الراوندي وابن زكريا الرازي. وفي نهاية بحثه أشار أبو ريده إلي أن اللغة العربية لغة مقدسة لأنها اللغة التي اختيرت للتعبير عن التعليم الإلهي. ومن هنا جاء التناقض بين علم الكلام والفلسفة. وكان هذا التناقض هو الفكرة المحورية في بحث مقداد منسية أستاذ الفلسفة الاسلامية بجامعة تونس. وسبب ذلك التناقض مردود إلي أن العقلانية ملازمة للفلسفة أما علم الكلام فينقصه البرهان المنطقي. وهذا النقص مردود إلي خشية علماء الكلام من الخروج علي عقيدة التوحيد. وهذه الخشية واضحة في تناول مفهوم الطبيعة. فالطبيعة عند الفلاسفة هي علة الظواهر, أما عند علماء الكلام فالله هو علة الطبيعة وعندئذ يكون لدينا ازدواجية في السببية: سببية الطبيعة وسببية الله. والسؤال اذن: هل علم الكلام هو المضاد الحيوي لقتل جرثومة التفلسف؟ أظن أن هذا السؤال كان هو الدافع وراء صياغة عبد السلام بنعبد العالي أستاذ الفلسفة بجامعة المغرب لبحثه المعنون ما في فلسفتنا يتحدي الفلسفة؟ وكان جوابه أن فهمنا للفلسفة ولتاريخها هو العائق الذي يتحدي ظهور فكر فلسفي في عالمنا العربي. وهذا الفهم يدور علي أننا نتفلسف في إطار أنسقة مغلقة وجاهزة وعلينا أن نختار من بينها نسقا واحدا ندخل فيه, ومن ثم يمتنع ابداع العقل العربي في ميدان الفلسفة. هذا عن تحديات الفلسفة للعقل العربي فماذا عن تحديات الفلسفة للعقل الأوروبي؟ حيث إن اللغة عند العقل الأوروبي ليست مقدسة فالأبحاث تناولت علاقة اللغة بالعالم سواء كانت اللغة علمية أو جماهيرية ومن هنا أهمية بحث كونولورنتز( النمسا). فقد ارتأي هذا المفكر أن الفلسفة الحديثة تفصل بين اللغة والعالم, وهي في هذا الفصل ينبثق عنها أكثر من تيار فلسفي, وهي تيارات متناقضة وخالية من التكفير, إذ ليس ثمة مقدس في البحث الفلسفي الأوروبي. واذا أردت مزيدا من الفهم فانظر إلي حال الفلسفة في مصر. فقد ألغيت مرتين من المرحلة الثانوية. المرة الأولي في عام1960 عندما كان كمال الدين حسين الملتزم بفكر الاخوان المسلمين وزيرا للتربية والتعليم, والمرة الثانية في عام2013, أي في زمن استيلاء الاخوان علي السلطة. لمزيد من مقالات مراد وهبة