لا أحد يدخل المستشفيات إلا اذا كان مريضا يأمل في العلاج, أو زائرا يطمئن علي مريض.. لكن في بعض المستشفيات الحكومية التي تتبع نظام التأمين الصحي الصورة مختلفة.. فالمريض لا يتحقق أمله أحيانا.. والزائر لا يطمئن غالبا!! حسن المعاملة جزء من العلاج.. ولكن لا أحد يعترف بهذا المبدأ في بعض هذه المستشفيات كما شاهدنا خلال جولة ل تحقيقات الأهرام حتي إن بعض المرضي قالوا لنا: البقاء مع الآلام داخل المنزل أهون بكثير من قسوة المهانة علي سلالم مستشفيات التأمين الصحي التي تحمل في مظهرها الخارجي جروحا طبية.. ولكن إذا دخلت فحدث ولا حرج. فقد قادتني الأقدار أن أدخل مستشفي صيدناوي للتأمين الصحي بوسط البلد وقد شاهدت ما هالني وكدت اشتبك مع بعض المسئولين.. فهذا مريض شاحب الوجه واهن العافية يستنجد بالطبيب كي يسمح له بالحجز داخل المستشفي ويستحلفه بكل غال في الوقت الذي لم يكلف الطبيب نفسه الرد عليه وبدلا من توقيع الكشف الطبي عليه ويري ما إذا كانت حالته تستدعي الحجز من عدمه إكتفي بقول مفيش سرير فاضي. وهذه زوجة بائسة أتت بزوجها مريض السكر بعد أن صمموا علي خروجه بحجة تحسن حالته رغم وجود غرغرينة في قدمه كما شخص لها الأطباء وعندما عادت به للبيت أصيب بارتفاع شديد في درجة الحرارة ورجفة في جسده فعادت به لإسعافه ولم تعرف لماذا أخرجوه من الأساس؟! وأكثر المشاهد دهشة وجود مريض مسن بمفرده ملقي علي السرير ومعلق له المحاليل وعندما فرغت العبوة شاهدت أحد المرافقين لمريض آخر يحاول استدعاء أحد من التمريض لغلق الأنبوبة حتي لا يتسرب الهواء للمريض وعندما لم يجد أحدا قام بنفسه بغلقها وعندما جاءت الممرضة أخبرها المرافق فتعاملت مع الموقف بمنتهي الاستهتار وكأنها تركت الهواء الفارغ يدخل جسد الرجل النحيل لينعشه في يوم شديد الحرارة! هذه المشاهد وغيرها من المشاهد العجيبة والمستنفزة رأيتها في دقائق معدودة.. وعندما قررت مقابلة المسئولين في المستشفي لمعرفة أسبابه هذه الفوضي فلم استطع الوصول لأحد فجئت في يوم لاحق وحاولت الدخول لمقابلة مدير المستشفي فقام الأمن بمنعنا بشدة وخاصة بعد معرفته بهويتنا وعندما حاول زميلي المصور التقاط بعض المشاهد حاولوا أخذ الكاميرا بالقوة فطلبنا مرة أخري مقابلة المدير فتعللوا بعدم وجوده, فسألنا عن من ينوب عنه فأخبرونا بوجود الدكتورة... مديرة الشئون العلاجية التي رفضت بشدة دون إبداء أي أسباب للرفض مقابلتنا أو معرفة ماذا نريد أن نسألها ومنعنا تماما من دخول المستشفي وكأن هناك كوارث لا يريدون لعدساتنا التقاطها. أما في مستشفي قصر العيني فلم يكن الوضع أفضل حالا فقد جلست السيدة ن.ز علي السرير تعاني آلام الوضع وتصرخ بشكل هيستيري حتي ينجدها أحد وعندما جاء الطبيب طلب منها بعنف القيام من علي السرير فورا لأن هناك حالة وضع سريعة فإنهارت السيدة وأخبرت الطبيب بعدم قدرتها علي القيام لأنها تشعر برأس الطفل تتدلي وما كان منه إلا أن نهرها وأجبرها علي ترك السرير وما هي إلا ثواني معدودة حتي وجدت السيدة ن.ز رأس الطفل بين قدميها وهي واقفة وسرعان ما سقط الطفل علي السيراميك لا يربطه بأمه سوي الحبل السري فالتقطته خالته. وتعلل الطبيب بأنه لم يكن يتصور أنها صادقة الي هذا الحد وكأنه يشاهد فيلم كارتون!! وكأنه ليس طبيبا من المفترض عندما يضع يده يعرف كم من الوقت تبقي لينزل الطفل.. والمؤسف في ذلك كما أخبرني أحد المرافقين لهذه الحالة أنه في هذا المستشفي يشترط لقبول حالة الوضع أن يتبرع أحد أقاربها بكيس دماء حتي يقبلوها. أما في مستشفي النيل بشبرا التي نراها صرحا طبيا من الخارج ومن الداخل لا بأس بها أما التعامل مع المرضي فالعنف والمهانة وكأن المريض جاء ليتسول من هؤلاء الذين وضعتهم الدولة لخدمة هؤلاء الفئة من المرضي... والإهمال الطبي سيد الموقف وكان آخر ضحاياه سيدة دخلت المستشفي لبتر أصبع قدمها لأنها مريضة بالسكر وسبب اللامبالاة تركوا الجرح حتي تعفن ولك أن تتخيل أنهم عندما أزاحوا الرباط عنه وجدوا رائحة كريهة لا يتحملها بشر وكائنات حية تتحرك وسرعان ما تطور الموقف سريعا وتم بتر الساق بأكمله. والواقعة الأكثر مأساوية فحدثت في الهلال الاحمر عندما دخل الأب مهرولا بطفله ذي الثماني سنوات والمصاب بغرغرينة في ذراعة نتيجة تلوث شريحة كانت وضعت في هذا الذراع سابقا وفوجئ الأب برفض الجراح الكبير دخول هذا الطفل المسكين غرفة العمليات التي يدخلها العشرات غيره وأن دخول هذا الطفل يلوث الغرفة فليذهب الطفل ليلاقي حتفه وخرج الأب يكلم نفسه. حملنا كل هذه النماذج للمسئولين حتي نري أين الورم الخبيث بالضبط وكيف يمكن استئصاله. الدكتور خيري عبد الدايم نقيب الأطباء يؤكد أن الفوضي التي تعم القطاع الصحي وخاصة التأمين تكمن في مشكلتين الأولي هي مشكلة التمويل لأن ما يصل إلي التأمين الصحي ما هو إلا فتات لا تسمن ولاتغني من جوع ذلك في الوقت الذي يمثل مرضي التأمين الصحي نحو60%من المجتمع بواقع58مليون مواطن.. وإذا علمنا أن المصروف علي مريض التأمين الصحي لايتجاوز ثلث المبلغ المطلوب ولكي نعطي خدمة صحية ممتازة يحتاج كل فرد ألف جنيه في السنة أي نحتاج58مليار جنيه من الميزانية الخاصة بالدولة وهذا صعب تطبيقه لأن ما يخصص للتأمين الصحي10%من هذا المبلغ وما يصل من اشتراكات من المواطنين لا يكفي بأي حال من الأحوال لتقديم خدمة صحية مميزة كذلك تسبب الوضع المالي المتردي للتأمين إلي ضعف تجهيز المستشفيات وضعف أجور العاملين بالصحة وبالتالي يضعف ولاءهم للمكان والمجهود المبذول منهم. أما المشكلة الثانية فتكمن في الإدارة فالأصل في الإدارة فصلها عن تقديم الخدمة وهناك مشروع القانون الصحي للتأمين الذي يؤكد فصل الإدارة عن مقدم الخدمة فالمفترض أن يكون التأمين الصحي هيئة مستقلة تشتري الخدمة من المستشفيات بجميع انواعها سواء خاصة أو حكومية أو جامعية.. وللأسف التأمين الصحي يدير ويقدم الخدمة في نفس الوقت والمفروض أن قانون الصحة الجديد يتلافي تلك المشكلة. أما الدكتور عبد الغفار صالحين رئيس لجنة الصحة بالشوري فيضع تصوره للخروج من الازمة هي نهضة صحية شاملة فقد إقترح منذ عدة اشهر أن يكون هناك هيئة الضمان الصحي الشامل والتي تؤدي ثلاثة أشياء مهمة تمثل عماد المنظومة الصحية أولها الشمول بمعني أنه لا يوجد مواطن لا يشمله التأمين الصحي سواء أكان غنيا أو فقيرا دون تفرقة الثاني وهو الإتاحة بمعني أن المستشفيات الحكومية ومستشفيات القطاع الخاص يتنافس في تقديم الخدمة الصحية للمواطن الذي يقوم بدوره بالإختيار فيما بينها وهذه الإتاحة تعطيني حرية الاختيار فيما يقدم لي من خدمة أفضل وليس الإلزام أي أنني غير ملتزم بمستشفي بعينه بل سأختار الأفضل.. الأمر الثالث انشاء هيئة مستقلة تسمي هيئة لرعاية الصحية ويكون لها شخصية اعتبارية تعم مستشفيات الحكومة التابعة للتأمين الصحي وهذه الهيئة لن تنشغل بتقديم الخدمة ولكنها ستشتري الخدمة, إما من هيئة الرعاية الصحية وإما القطاع الخاص طبقا للمعايير الخاصة بالجودة التي ستوضع ولابد أن يلتزم بها الجميع حتي يتم إعطاؤه إمتياز تقديم الخدمة ومن لا يقدم خدمة جيدة سيخرج من المنظومة الصحية. أما الدكتور حامد الدالي وكيل لجنة الصحة بالشوري فيؤكد أن علاج تلك المشكلة يحتاج إلي وقت وحلول علي المدي القريب ويتمثل في الرقابة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب والتخلص من عديمي الكفاءة أما المدي البعيد فقد بدأت الصحة بالشوري بمناقشة مشروع للتأمين الصحي الشامل ولكن للأسف مازالت الميزانية تمثل عائقا.. ويؤكد أنه عندما يصدر قانون الكادر للعاملين بالحقل الطبي ستنصلح أوضاع كثيرة ويجعل العاملين بهذا القطاع يعطون أفضل ما عندهم.