هاني أبو أسعد, هو واحد من أهم مخرجي السينما الفلسطينية الذين يقدمون تجارب متميزة, بعيدا عن اللغة الزاعقة أو المباشرة أو الفجة أحيانا.أو تلك السينما التي تقترب من الخطب السياسية الرنانة, نظرا لطبيعة وحساسية القضية الفلسطينية. هاني دائما ما يختار العلاقات الإنسانية والتفاصيل الحياتية اليومية ليصنع منها دراما متميزة, تحمل العمق ويتم قراءاتها علي أكثر من مستوي سياسيي واجتماعي, وذلك منذ تجربته الأولي في فيلم' عرس رنا' و' الجنة الآن' وصولا إلي فيلمه الجديد' عمر' والذي عرض في مسابقة' نظرة ما' في الدورة ال66 لمهرجان' كان السينمائي الدولي', ونال جائزة لجنة التحكيم الخاصة. و'عمر' ليس فقط فيلما متميزا, ولكنه أول فيلم روائي تموله صناعة السينما الفلسطينية الناشئة, وهو ما يتسق تماما مع وجهة نظر' هاني إبن الناصرة', الذي يرفض بشدة الحصول علي تمويل إسرائيلي, ويردد دائما:' هناك حاجز بيني وبين فن العدو', ويعرف كيف يخلق من قصص البشر الذين يعيشون حوله أفلاما سينمائية, حيث يؤكد انه استوحي فكرة الفيلم من واقعة رواها له أحد أصدقائه, حين حاولت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إجباره علي التعاون معهم, لأنهم كانوا يعرفون سرا عنه, وهو الأمر الذي من شأنه أن يتسبب بفضيحة. ويروي فيلم' عمر' قصة الحب والصداقة والخيانة ومفهوم الوطن في ظل التناحر بين الفصائل السياسية الفلسطينية من خلال' خباز شاب' يدعي' عمر', و يجسده' آدم بكري ابن الفنان الفلسطيني الكبير محمد بكري', مغرم بنادية شقيقة صديقة المناضل' طارق', التي تعيش علي الجانب الآخر من الجدار العازل, ويسعي بشكل منتظم لتفادي الرصاص الذي يطلقه الجنود الاسرائيليون من أجل تسلق الجدار لرؤية حبيبته, ويتحدث الشاب والفتاة بحماس عن الزواج, لكن خططهما تتغير وتتبدل عقب اعتقاله بسبب تورطه في هجوم علي الجيش الإسرائيلي قتل فيه جنديا, وهي العملية التي رتبها طارق شقيق نادية والمنتمي لكتائب عز الدين القسام. يتعرض عمر للتعذيب بالسجن من أجل الإدلاء بمعلومات, ثم يتم الضغط عليه ليصبح مخبرا, يبدأ بممارسة لعبة القط والفأر مع الضابط الإسرائيلي الذي يحاول تجنيده, يجسده ببراعه' وليد زعيتر' في الوقت الذي يحاول إثبات أنه ليس' خائنا' بينما يشاع في الشارع أنه كذلك. ويقدم لنا المخرج شخصية المناضل بعيد عن الصورة النمطية, التي تمتلئ بها السينما العربية, وتحديدا السينما الفلسطينية, ومنذ اللقطة الأولي في الفيلم نري كيف أن العلاقة الثلاثة بين الأبطال مميزة, وكيف أن طارق هو العقل المفكر والنموذج بالنسبة لعمر, وصديقهم الثالث'أمجد' الذي يعمل بجد معهم لتحويلهم إلي مناضلين لهم دور في تحرير الوطن, نري الأصدقاء في حياتهم العادية يعملون, يتعاطون النكات ويلقونها معا, وكيف يضمهم منزل طارق, نظرات الإعجاب المتبادلة بين عمر ونادية, وكيف يتبادلان الرسائل وهي تعطيه فنجان القهوة, إلي أن يبدأ تدريبهم علي عملية فدائية, ينفذها الأبطال الثلاثة بشكل بدائي وبسيط حيث يطلقون النيران علي جندي اسرائيلي في أحد المعسكرات, والذي يذهب ضحية هذا الحادث ويبدأ الجيش الإسرائيلي في البحث عن الجناة مابين الخط الأحمرالذي يعيش فيه' عمر' تحت سطوة الاحتلال الاسرائيلي والخط الأخضرالذي يعيش فيه طارق العقل المدبر, وبالطبع يلقي القبض علي عمر, الذي يرفض الاعتراف علي أصدقائه, فهو من ناحية يرغب في أن يثبت لطارق أنه يستطيع أن يكون مناضلا ويكسب ثقته, ومن ناحية أخري يرغب في أن يؤكد لنادية أنه جدير بها, وأجمل ما في شخصية عمر التي رسمها هاني أبو أسعد أنها شديدة الإنسانية, وبها لمحة براءة حيث يقع ضحية لفخ من المخابرات الاسرائلية داخل المعتقل عندما يدسون عليه أحد ضباطهم علي أنه قيادي بكتائب القسام, يقترب منه أثناء تناول الطعام, ويقول له ما هما ضغطوا عليك لا تعترف فيرد عمر ببراءة:' ما قلت شيئا ولن أقول' وهو ما يعد اعترافا طبقا للقانون الإسرائيلي, وبالتالي تبدأ محاولات الضابط رامي في تجنيد' عمر', وبنفس براءة عمر وصدقه في عشق نادية يقنع الضابط أنه وافق علي الصفقة معه ويخرج ليروي لطارق ما حدث معه, وتبدأ لعبة القط والفأر بين عمر وضابط المخابرات الإسرائيلي. والفيلم به كثير من الخطوط الدرامية المتشابكة, والحكي التقليدي عن تطور العلاقة بين الأصدقاء, وخيانة أحدهم وكيف أن كل الأطراف صارت تشك في بعضها البعض, وبالطبع تزيد الشكوك حول عمر فهو من ألقي القبض عليه, وتتشابك خيوط دراما عمر عندما يتداخل الخاص مع العام, فالوطن تعرض للخيانة, وأيضا طارق المناضل تعرض للخيانة من أحد أصدقائه حيث يخبره عمر أن للأسف صديقهم الثالث أمجد قد أقام علاقة غير مشروعة مع نادية شقيقته وأنها حامل طبقا لرواية الصديق, وأن أمجد هو الخائن الذي يبلغ المخابرات الاسرائلية بكل التحركات والعمليات, صراع الأصدقاء يؤدي في نهاية الأمر إلي مقتل' طارق' والعدو متمثل في ضابط المخابرات الإسرائيلي, رامي يقف ليراقب وهو المشهد الذي يحيلنا مباشرة إلي الصراع الفلسطيني- الفلسطيني, والفلسطيني الاسرائيلي, ومن أجمل مشاهد الفيلم التي صاغها أبو أسعد دراميا وبصريا المشهد الذي كان يحاول فيه عمر أن يتسلق الجدار العازل مثل عادته اليومية, إلا أنه يفشل مرة تلو الأخري وينهار إلي أن يأتي شيخ عجوز يكون مارا بالصدفة فيساعده ويربت علي كتفه, وكأن المشهد يقول لنا إن الأصل هو الوطن والأرض وأن الأجداد هم من كانوا يدافعون عن الأرض دون حسابات, وكيف أن الحسابات والرهنات والمفاوضات المبنية علي أسس غير إنسانية هي ما أدت إلي التناحر, وما أقسي وأجمل مشهد النهاية عندما يقتل عمر الضابط الإسرائيلي المسئول عن' خربقة' علاقات الأصدقاء وخيانة ثالثهم وتجنيده, والذي تقوم المقاومة بإعدامه و رغم قتل الضابط إلا أن الواقع يظل مأساويا ومريرا ف نادية التي تعرضت للعبة قذرة من الصديق الخائن أمجد الذي لعب علي كل الأطراف يكتب عليها أن تفقد الأخ المناضل والحبيب الوفي وتعيش أرملة لذلك الخائن وأما لأبنائه. فيلم' عمر' أنتج بأموال95 بالمئة منها فلسطينية, ويندرج ضمن ديناميكية السينما الصاعدة, وقال أبو أسعد أن فيلمه كلف1.5 مليون دولار احتاج عاما لجمعها وأنه صوره العام الماضي في الضفة الغربية, وبلدة الناصرة وقال إن هذا أول فيلم ينتجه بشكل كامل أفراد ورجال أعمال فلسطينيون.