عندما يتعلق الأمر بأمن أمريكا القومي وصدارتها للعالم, ليس هناك خطوط حمراء لا تخترق أو مبادئ تحترم أو حقوق أو حريات أو حتي حياة خاصة يمكن أن يعيشها أي إنسان أيا كان موقعه في العالم, هذا ما كشفته صحيفتا الجارديان والواشنطن بوست, يوم الخميس الماضي, في أحدث واخطر فضيحة يمكن أن تواجهها إدارة أمريكية, فما بالك بإدارة الرئيس أوباما التي ما تكاد تخمد فضيحة حتي تتفجر في وجهها أخري اشد إحراجا وأكثر وطأة من كل سابقتها. فكما لو كنا أمام مشهد من فيلم ايجل اي, كشفت صحيفة الجارديان في تقرير نشرته وفقا لمعلومات سربها لها موظف فني كان يعمل سابقا في سي اي إيه ويعمل حاليا في شركة متخصصة في شئون الدفاع تسمي( بوز ألن هاملتون) يفيد بان وكالة الأمن القومي الأمريكي تقوم بجمع سجلات المكالمات الهاتفية لعشرات الملايين من الأمريكيين ودللت علي صحة المعلومة بنشر وثيقة عبارة عن أمر قضائي يطلب من أكبر شركة هواتف أمريكية الكشف للوكالة عن تفاصيل كل النداءات الهاتفية التي تجري عبرها سواء المحلية منها أو الدولية, كما كشفت صحيفة الواشنطن بوست ان الوكالة تتصنت علي جميع الأجهزة الرئيسية التابعة لتسع شركات انترنت بموجب برنامج( بريزم), فمن كان يصدق ان الرئيس أوباما الذي وعد في حملته الانتخابية الأولي بإغلاق معتقل جوانتانامو لأنه يتناقض مع مبادئ الأمة الأمريكية ودستورها الذي يقوم علي احترام حقوق الإنسان, هو نفسه الذي وافق علي تطوير برنامج( بريزم) في عام 2007 من البرنامج الذي كان الرئيس السابق جورج بوش قد تبناه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأثار في ذلك الوقت جدلا واسعا حول الخط الفاصل بين حماية الأمن وضرورة احترام الحريات المدنية للمواطنين وحياتهم الخاصة, الرئيس أوباما رغم موقفه المحرج لم يدع الفرصة تفوته دون أن يعبر عن وجهة نظره الإنسانية وقلقه من مثل هذه الممارسات مؤكدا انه كان في البداية ينظر إلي برنامجي المراقبة بنزعة شك وصفها بالصحية إلا أنه بعد تقييمه للبرنامجين ووضع ضمانات قررنا أنهما يستحقان العمل بهما هذا ما اكده مشيرا الي ان إدارته استطاعت من خلال تطبيقها لهذه الطريقة في الرقابة ان تحقق التوازن بين الأمن والخصوصية, ولكن الغريب حقا ان الرئيس أوباما الذي لم يتوقف منذ اللحظة الأولي لدخوله البيت الأبيض عن الحديث عن حقوق الإنسان والحريات والحقوق المدنية في العالم كله اهتم فقط بطمأنة الأمريكان بأن وسائل المراقبة التي تستخدمها إداراته علي الهواتف والانترنت لا تستهدف المواطنين الأمريكيين أو المقيمين في الولاياتالمتحدة, إنما هي موجهة ضد العالم الخارجي. ورغم أن مثل هذا الأمر مشكوك فيه إلا أن هذا لا يمنع أن الولاياتالمتحدة في سبيل أمنها, قامت بجمع ما يقرب من 97 مليار تقرير للمخابرات من شبكات الانترنيت في سنة2013, وقد جاءت إيران علي رأس الدول التي جمع منها أكبر قدر من التقارير بما يعادل14 مليار تقرير في تلك الفترة,تليها باكستان ب13.5 مليار تقرير وفي المركز الثالث المملكة الأردنية, أقرب حلفاء أميركا العرب, ب12.7 مليار تقرير,أما مصر, فقد جاءت في المرتبة الرابعة ب7.6 مليار تقرير والهند في المركز الخامس برصيد6.3 مليار تقرير. والسؤال الآن إذا كانت الولاياتالمتحدة لديها هذه القدرة علي مراقبة المكالمات الهاتفية واختراق الرسائل الإلكترونية والأحاديث علي شبكات التواصل الاجتماعي, فكيف نجح مفجرا ماراثون بوسطن في تنفيذ مخططهما؟ ولماذا فشلت في رصد المكالمة الهاتفية التي تكشف عن نواياهما المتطرفة والتي أبلغتهم بها الاستخبارات الروسية ؟ وكيف استطاعت أن تقنع حلفاء--ها في مختلف دول العالم بانتهاك القوانين واختراق الحياة الخاصة لمواطنيهم؟ وفي النهاية يبقي السؤال الأهم: كيف فشلت في التنبؤ بالربيع العربي كما تدعي؟ أم أنها كانت علي علم مسبق بهذا وذاك؟! والادعاء بعدم المعرفة لم يكن سوي لغرض في نفس ابن يعقوب!