جاءت مبادرة مشيخة الأزهر الشريف ودار الإفتاء, بتنظيم دورات تدريبية للأئمة والوعاظ, في مجال الإفتاء في أمور الدين, والإعداد لتشكيل لجان دائمة للفتوي بجميع المحافظات المصرية, وإطلاق القوافل الدعوية الأزهرية بالمحافظات لضبط الفتوي ونشر الفكر الوسطي, لتطرح المزيد من التساؤلات حول جدوي تلك المبادرات ومدي نجاحها في التصدي للفتاوي الشاذة والغريبة التي تصيب الناس بالبلبلة, خاصة في ظل وجود تراث طويل من التشكيك في المؤسسات الدينية الرسمية ؟ علماء الدين يؤكدون أهمية التجربة ونجاحها في المستقبل في التصدي لتلك الظاهرة, ولكنهم يطالبون بالإسراع بإصدار قانون يحظر علي غير المتخصصين التصدي للفتوي. مؤكدين أن تأخر صدور هذا القانون يخل بالنظام العام ويثير الفتنة والبلبلة في المجتمع. وطالب الدكتور الأحمدي أبو النور, عضو هيئة كبار العلماء, بأن يتحري العالم الفقيه المتمكن من علوم الحديث والقرآن والفقه وأصول الفقه واللغة والسيرة النبوية وقضاء الرسول صلي الله عليه وسلم وفتاواه, بحيث يكون ممن يتحقق فيه قوله تعالي(الرحمن فاسأل به خبيرا), وقوله سبحانه( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).ومن ناحية أخري إذا كان هناك من هو أعلم من غيره وأكثر تمكنا في هذه المواد التي ذكرناها الآن, فقد وجب علي الكل أن يرجعوا في استفتاءاتهم إلي هذا الأعلم والأحكم والأفقه. فتحري العالم وتحري الأعلم أيضا أمران مهمان, و( البر ما اطمأنت إليه النفس وما اطمأن إليه القلب, والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإنأفتاك وأفتوك), وعسي أن يكون هذا هو المعيار للرجوع إلي من يتصف بهذا الذي يطمئن إليه القلب, ولن يكون إلا من تمكن علميا واتقي الله في علمه وفي مسلكه. تنظيم الفتوي من جانبه يطالبالدكتور مصطفي عرجاوي, عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر بالقليوبية, بإصدار قانون ينظم عملية الفتوي ويحدد جهاتها المشروعة, كما حدث في المملكة العربية السعودية في العام المنصرم, حيث صدر مرسوم ملكي يحظر الفتاوي إلا من الجهات المتخصصة والمحددة لإصدار هذه الفتاوي, ولذلك استقر وضع الفتوي عندهم, أما عندنا فكل من يعلم من قشور العلم شيئا يتصدي للفتوي دون أي حرج أو استشعار أي مسئولية, وهذا يؤدي إلي تضارب كبير في الفتاوي بين محلل ومحرم, ومانع ومجيز, وهذا يخل بالنظام العام, فضلا عن إخلاله بالأحكام الشرعية إخلالا خطيرا, وينبغي علينا أن نصدر قانونا يحظر علي غير المتخصصين التصدي للفتوي مهما تكن درجتهم العلمية أو الوظيفية احتراما للتخصص الدقيق, فليس كل عالم في مجال معين من مجالات الشريعة الإسلامية وأصول الدين يصلح للفتوي, لأن لها مؤهلاتها الشرعية المتطلبة وكذلك الخبرة والمعرفة بضوابط إصدار الفتاوي, حتي لا تتعارض مع الأحكام الشرعية المستقرة, ولذلك ينبغي أن نستمسك بضرورة صدور الفتاوي من الجهات المعنية, وبخاصة أن هناك مفتيا رسميا للدولة, فضلا عن لجان متخصصة في الأزهر وفي كلياته الشرعية. وطالب المستفتين باللجوء إلي هذه المجامع الفقهية, مثل مجمع البحوث الإسلامية وغيره من المجامع المتخصصة, وبذلك نخرج من عبء التناقض والتضارب الذي يصدر في بعض الفتاوي التي لها تأثير كبير علي المجتمع, فلا مناص من إصدار تشريع واضح في هذا الشأن يحول بين من يرغب في الإفتاء لمجرد الإفتاء بغير علم ولاتخصص دقيق, فيسيء ويضر بالآخرين, لكنه عندما يعلم بأن هناك عقوبة ستلحق به إذا ما ولج هذا المجال دون أدواته المشروعة سيتوقف عن الخوض فيما لا يعلم, والغريب في الأمر أن كل التخصصات لا يستطيع أي شخص عادي أن يدلي فيها برأيه إلا إذا كان من بين هؤلاء المتخصصين, فلا يمكن لغير طبيب أن يدلي في الطب برأي, ولا لغير مهندس أن يدلي برأي في المجال الهندسي وهكذا.. يجب لكل تخصص أن يحترم, وكل دعي أن يعاقب بمقتضي القانون, فمن يدعي الطب أو الهندسة أو غيرها من التخصصات يعاقب بصفته منتحلا لغير مهنته, فلماذا لا يطبق هذا في مجال الإفتاء؟ وهو أمر أخطر بكثير, وينبغي علينا أن نحرص حرصا شديدا من خلال المؤسسات الدينية علي إصدار قانون يحظر الإفتاء من غير المتخصصين ويحدد جهات الفتوي, وأظن ذلك قد صدر بتشريعات في بعض دول الخليج العربي لمحاصرة الفتاوي الشاذة, والقضاء علي التضارب والتعارض في هذا المجال, ومصر بأزهرها الشريف تعتبر بالنسبة للعالم الإسلامي قبلة العلم, كما أن قبلة المسلمين هي البيت الحرام, فينبغي علينا أن نتخذ بكل جد وجدية قرارا واضحا في هذا الشأن, لننهي هذا الأمر بصورة قاطعة دون أي تردد قبل فوات الأوان. وفي سياق متصل ناشدالدكتور حامد أبو طالب, عضو مجمع البحوث الإسلامية,المسئولين في الأزهر ودار الإفتاء والأوقاف استصدار قانون يحظر الفتوي إلا علي المتخصصين, حتي يمكن توحيد الفتويأو أن تكون صحيحة إلي حد بعيد, ونبتعد عن العشوائية والفوضي التي سادت ميدان الفتاوي. من هنا فإنني أناشد الشعب المصري أن يسعي في فتاواه ويطرحها علي المتخصصين في الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف, وأن ينأي بنفسه ومشكلته عن أولئك المتجرئين علي ميدان العلم الشرعي, حيث يفتون بمعلوماتقليلة فيوقعون الناس في الحرج ويضيقون عليهم, مع أن الأمر أوسع من ذلك وأيسر بكثير, ولكنهم لا يعلمون. ويحملالدكتور رأفت عثمان, عضو هيئة كبار العلماء,وسائل الإعلام مسئولية تضارب الفتاوي, وعدم لجوء الإعلاميين عند الرغبة في التعرف علي حكم قضية من القضايا إلا إلي المتخصص في الفقه الإسلامي, ولو التزم بهذا المبدأ لما رأينا الكثيرين ممن ليس لهم صلة بالفقه الإسلامي يزجون بأنفسهم في فتاوي في مسائل ليست عندهم القدرة الفقهية التي تؤهلهم للإفتاء فيها, ولهذا أتوجه إلي كل وسائل الإعلام ألا يتجهوا عند طلب الفتوي إلا إلي جهة لها الصلاحية التامة في هذا, وهي: الأزهر, أو دار الإفتاء, وإخواننا في وزارة الأوقاف الذين لهم اتصال بالبحث العلمي, لأن أخذ الفتوي ممن ليس متخصصا في الفقه الإسلامي يؤدي إلي ظهور فتاوي ضعيفة جدا لدرجة أننا لانستطيع أن نسميها فتاوي, وإنما هي آراء بعيدة عن التأصيل العلمي الذي يجب التزامه عند التعرض للإفتاء. أدعياء العلم وفي النهاية يحذرالدكتور زكي عثمان, الأستاذ بجامعة الأزهر,من اعتقاد بعض العلماء أنهم أعلم علماء الأرض, وبذا يفرضون آراءهم فرضا فيه الملل وعدم الإقناع, ويخطئون غيرهم ويحاولون أن يضفوا مصداقية, لكن هذه المصداقية تؤدي بهم إلي الغلو والتطرف, ويتهمون الآخرين بالكفر أو الفسق أو الظلم. وهذا بطبيعة الحال مرفوض كل الرفض, وهم لهم وسائلهم, إما بنشر كتب يختارونها هم أو بتوزيع أشرطة الكاسيت أو السيديهات يسجلون عليها ما يريدون وما يحبون, ونجد في فتاواهم خلطا وتخريبا ودمارا للمجتمع, والنماذج واضحة شاخصة لكل عين تري ولكل أذن تسمع, فأقول لهؤلاء اتقوا الله في الشباب, واتقوا الله في البنية الاجتماعية, واتقوا الله في بناء الوطن, ودعوكم من المصالح والمنافع الشخصية, فإن الفتوي لا يجيدها إلا مخلصون وعارفون بفقه الأولويات أو فقه الواقع أو فقه النوازل, فليس كل من هب ودب يصلح مفتيا, وان يعلم الجميع أن هناك فرقا بين المفتي والداعية والواعظ والخطيب, ولو أدركنا هذه الفوارق لوجدنا أنفسنا علي الخط المستقيم والطريق السوي.