علي الرغم من أن الإعلان الدستوري الصادر في نوفمبر الماضي, كان سيئا من ناحية الشكل والإخراج, فإنه من ناحية الجوهر والمضمون, كان دفاعا مشروعا عن الثورة والديمقراطية ضد عدوان القضاء المسيس علي المؤسسات المنتخبة, الذي تجلي في مهزلة حل البرلمان. يعلم جميع خصوم( الإخوان) ويكابرون أنه لولا هذه المهزلة ما كانت هناك حاجة لإعلانات دستورية, وما كان( الإخوان) تراجعوا عن قرارهم بعدم الترشح للرئاسة, بعد أن تأكدوا من نية خصومهم الغدر بهم.. هذه المسألة هي أصل كل المصائب والخسائر في الأرواح التي وقعت خلال العام الماضي, ولابد من التحقيق فيها حتي نعلم بيقين هل كان حكم حل البرلمان متجردا موضوعيا أم مسيسا عنصريا؟ وكنت قد طرحت تساؤلات عديدة في مقالات سابقة حول هذا الحكم مطالبا بالإجابة عنها, ولكن بلا طائل. هناك من يحاول إضفاء قدسية علي قضاة المحكمة الدستورية, وكأنهم محصنون ضد النقد والهجوم والمحاسبة, ويزعم أنه لا تعقيب علي أحكامهم,.. وكأننا قمنا بالثورة لكي نستبدل استبداد سلطة باستبداد سلطة أخري. ويتجاهل هؤلاء أن الشعب فوق الدستورية وكل سلطة أخري, وأن قراراته وخياراته, التي تمردوا عليها ولم يتوقفوا يوما عن التحريض ضدها منذ استفتاء2011, هي المقدس الوحيد في عالم السياسة. لقد كان حل البرلمان, وإلقاء أصوات32 مليون مصري في القمامة, هو المهزلة الأكبر ضد الثورة حتي أيام قليلة مضت, وذلك عندما أصدرت المحكمة الدستورية حكما يسمح لضباط وأفراد القوات المسلحة وهيئة الشرطة بالتصويت في الانتخابات, وذلك علي الرغم من أن الدستور يحظر بمنتهي الوضوح علي أفراد القوات المسلحة( أي الجيش والشرطة, المسموح لأفرادهما بحمل السلاح) ممارسة السياسة بكل صورها. ولكن أن يصل الأمر ب الدستورية إلي تصيد الثغرات لاستغلالها كسلاح ضد الثورة وفرض أوضاع شاذة وخطيرة تقود إلي كوارث, فهذه مسألة تستحق التوقف عندها. إذا كانت المحكمة تتذرع بمبدأ المساواة, فالمساواة لا تقتصر فقط علي حق التصويت, وإنما تشمل أيضا حق الترشح والتحزب السياسي. وبالتالي سيكون من حق الإسلاميين والعلمانيين أن يتسابقوا علي دخول ثكنات الجيش والشرطة لتجنيد الأنصار و الكوادر, وممارسة الدعاية وشيطنة الخصوم. وقد رأينا خلال العامين الماضيين كيف أدي الاستقطاب السياسي إلي فتن وصراعات ليس فقط بين السياسيين وإنما داخل العائلة والأسرة الواحدة.. فهل هذا ما تريد الدستورية أن تصل إليه الأمور داخل مؤسستي الشرطة والجيش أم أن خلاف بعض قضاتها مع الإسلاميين أدي الي درجة تجاهل اللوائح والتقاليد العسكريه التي تحظر علي أفراد القوات المسلحة ممارسه العمل السياسي؟!.. يبدو لي أن هؤلاء لم يكتفوا بوأد البرلمان السابق, وإنما عقدوا النية علي إجهاض البرلمان المقبل أيضا. لقد حقق تحالف الثورة المضادة نجاحا باهرا مع تسييس القضاء والإعلام, وفشلا ذريعا مع تسييس الأزهر والجيش, خاصة بعد إعلان الفريق السيسي أنه لا عودة للجيش إلي السياسة ولا انقلاب علي الحكم.. فإذا ب الدستورية تخرج علينا بأم المهازل, لتقدم إلي هذا التحالف الضلع الثالث المطلوب لإحكام الخناق حول رقبة الثورة: تسييس الجيش بعد القضاء والإعلام.. بتعبير آخر, فإن أطراف الثورة المضادة التفوا علي رفض الفريق السيسي إفساد الجيش بالسياسة, بإدخال السياسة قسرا إلي عقر داره, حتي يتحقق لعشاق حكم العسكر أمنيتهم التي لم يتوقفوا عن محاولة تحقيقها علي مدي شهور. إن هذا الحكم الأخير يفتح الباب لشرور وكوارث لا نهاية لها, خاصة أننا نعيش أجواء استقطابية غير مسبوقة في تاريخ مصر.. والأفضل لمصر ألف مرة أن تبقي دون انتخابات, ويبقي مجلس الشوري والرئيس في موقعيهما إلي ما شاء الله, علي أن يخطو( الشوري) خطوة واحدة علي هذا الطريق المميت, بإقرار قانون يسمح للعسكر بالتصويت. كما يؤكد هذا الحكم أن قضاة الدستورية وصل بهم الغرور, بعد تمرير مهازلهم السابقة, إلي درجة تصور أن الشعب سيسمح بتمرير هذه المهزلة الأخيرة. لقد أثبتوا أخيرا أنهم بالفعل غير مؤهلين لاحتلال هذا الموقع الخطير الذي وضعهم فيه الرئيس المخلوع. أما بالنسبة لأم المفاسد, فعلي الرغم من أن الفساد في القضاء هو أخطر أنواع الفساد, فإننا لا نري أيا من القضاة الفاسدين في السجن.. فهم مطمئنون أنهم فوق القانون, وأن المجلس الأعلي للقضاء عاجز عن رفع الحصانة عنهم. هذا التمييز يضرب احترام وهيبة القضاء في مقتل. أضف إلي هذا ما أثير مؤخرا حول التعيينات التي جرت في مجلس الدولة منذ عامين لأكثر من ألفين من أبناء وأقارب المستشارين بالمجلس, ومن بينهم حاصلون علي الابتدائية والإعدادية, جري تعيينهم حتي يضمنوا لهم الوظيفة بعد التخرج.. وعن تعيين مندوبين ظلوا عشرين عاما متعثرين في الحصول علي الدرجات العلمية التي تؤهلهم للترقية.. وبعضهم قضي8 سنوات في كلية الحقوق. إن التوريث والاستعلاء وغطرسة بعض القضاة أهم أسباب أزمة القضاء المتفاقمة, التي لن تحل إلا بالعودة إلي الحق: رفع الحصانة فورا عن جميع القضاة المتهمين في قضايا فساد ونصب وتزوير تراجع المحكمة الدستورية, بإبطال جميع أحكامها المسيسة, وعلي رأسها حل البرلمان مقاومة مجلس الشوري, حملات الترويع والترهيب, بإصدار قانون السلطة القضائية في أسرع وقت ممكن لإسكات كل من يتصور أنه فوق الشعب ونوابه وأخيرا, العودة إلي الشعب لكي يقرر الخطوة الحاسمة في التعامل مع الثورة المضادة ورأس حربتها. لمزيد من مقالات صلاح عز