تعيش مصر بعد ثورة الأمة في 25 يناير فترة انتقالية تتشكل فيها الأوضاع وتتبلور فيها الرؤي والأفكار ويتم من خلال الحوار المجتمعي الدائر الآن رسم خريطة طريق لمستقبل الأيام وعلي درب الصوب تبدأ في أتخاذ خطواتها الدستورية والمؤسسية في ظل انتخابات برلمانية مع إنشاء مجتمع حزبي جديد مازال يسعي للتواجد علي الساحة السياسية وبين جمهور الشارع المصري, حتي تتمكن مصر من وضع حجر أساس سليم وقوي في بناء ديمقراطية تنهض علي قاعدة من العقل الواعي والفكر المستنير الذي يقيم مجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية. وفي هذا الصدد يجب علي كل القوي الوطنية أن تنتبه إلي دور المرأة المصرية وأهميتها في الحياة العامة, فهي التي تشكل نصف المجتمع وترعي مصالح النصف الآخر فهي الزوجة والأم والأخت والابنة وهي تشارك في الإنتاج القومي جنبا إلي جنب مع الرجل حتي لايصاب نصف المجتمع بالشلل, فإن خير الجماعة يوجب تمكين المرأة من العمل وواجب المجتمع أن يهييء الأجواء الصالحة لها لكي تباشر أعمالها وواجباتها فهي التي دخلت معظم مجالات العمل ووصلت بجهدها وإصرارها إلي المناصب القيادية وحصلت علي حقوقها السياسية, فرقي الأمم وتقدمها كما أثبت التاريخ الإنساني في ذلك مرتبط ارتباطا وثيقا برقي أحوال المرأة فيها, وأن إصلاح المرأة هو إصلاح المجموعة, فتاريخ المرأة المصرية يقاس بآلاف السنين كما أشارت بذلك آثارنا الفرعونية وتقف علي قدم المساواة معه. وهي التي ألهمت في بروز النهضة المجتمعية المعاصرة وساندها علي ذلك ظهور مجموعة من الكاتبات والشاعرات من أمثال (عائشة التيمورية) و(مي زيادة) التي تحتفل هذه الأيام بذكراها السبعين و(ملك حفني ناصف) و(هدي شعراوي) و(نبوية موسي) إن أعمال وجهد النساء اللاتي يمثلن نصف مجموع الأمة تمثل حركة تقدمها جميعا. ونظرة سريعة علي كفاح المرأة المصرية في التاريخ المعاصر نجد أنه أرتبط بالمطالبة بالحقوق السياسية ولكن المجتمع المصري قبل ثورة 1952, لم يكن يعترف لها بحق الاشتراك في الحياة العامة كالرجال, فقد كان حق الانتخاب مقصورا علي الذكور دون الإناث وكانت (هدي شعراوي) منذ عام 1946 تدعو بوصفها رئيسة الاتحاد النسائي المصري إلي منح المرأة حق التصويت والانتخاب استنادا إلي ميثاق الأممالمتحدة الذي يستنكر التمييز المجحف بين المواطنين بسبب النوع أو الجنس أو اللغة أوالدين. وفي مارس عام 1947 قدم اقتراح لمجلس الشيوخ المصري بمشروع قانون أساسه أن الدستور المصري حول حق الانتخاب للرجال والنساء علي قدم المساواة وأن قانون الانتخاب قد خالف الدستور حين سلب المرأة حق الانتخاب الذي قرره الدستور وجاءت الخطوة التالية في أول دستور مصري بعد الثورة والذي صدر عام 1956, إذ لوحظ فيه الاهتمام بإعطاء المرأة المصرية حقوقها السياسية, بل والاهتمام بإبراز مايتعلق بشئونها من حيث الدور اذي تقوم به في المجتمع وفي الأسرة, وقد كفل هذا الدستور للمرأة المصرية التوفيق بين عملها في كل هذين المجالين. أقول هذا الكلام ونحن نعيد صياغة المجتمع المصري الجديد علي أساس من الحرية والعدالة الاجتماعية والسياسية بألا نغبط المرأة المصرية حقها في المشاركة السياسية بفاعلية حيث إن بعض التقارير الصحفية تشير إلي تراجع في حركة الترشيح داخل بعض المحافظات وفي بعض الأحزاب, بالإضافة إلي دعاوي بعض التيارات العقائدية التي تنظر إلي حركة المرأة داخل المجتمع علي أنه من الممكن الاستغناء عنها, فمن غير المعقول أن نتصور دور المرأة, محصورا في وظائف المنزل ورعاية الأطفال بالرغم من عظمة هذا الدور, لكن تيار المدنية قد جعل المرأة تسهم بالفعل في الحياة, وهذا الاتجاه الرجعي لو صدق وجوده داخل المجتمع المصري فإنه يستوجب الالتفاف إليه بعناية وأهتمام ومواجهته, فمسئولية كل مؤسسات الدولة بما فيها منظمات وجمعيات المجتمع المدني أن تعمل علي إبراز دور المرأة وأهمية مشاركتها في بناء المجتمع الجديد الذي ننشده. المزيد من مقالات سهير مشهور