كثيرا ما يخاف الإنسان من الصعاب التي تواجهه, فيظنها جبلا لا يستطيع صعوده, أو بحرا لا شاطئ له, ولو استسلم كل منا لتلك الظنون سيفشل ولكن لو تعامل مع الحياة معاملة الفرسان لوجد لها لونا جميلا لا يدركه غيره. وهذا ما فعله محمد الكيلاني ابن محافظة الفيوم الذي أيقن أن قيمة الحياة أغلي من أن تغتال بنظرة شفقة, واستطاع أن يجدد الأمل في نفسه بعد بلوغه ال20 من عمره من خلال حصوله علي شهادة محو الأمية ومن بعدها الماجستير بتقدير ممتاز ويعد حاليا للدكتوراه. يقول لصفحة صناع التحدي: أسمي محمد كيلاني محمود حميدة, أصبت بمرض شلل الأطفال في الطرفين السفليين منذ الصغر, لا أدري ما سبب الإصابة تحديدا, ولكن يحكي أن التطعيم ضد شلل الأطفال كان فاسدا في الفترة التي طعمت فيها وأصبت أنا ومجموعة معي, ونظرا لأني لا أستطيع السير علي قدمي فقد رأي والدي( الذي كان يعمل في كي الملابس) ألا أدخل المدرسة مثل أقراني, وبالتالي حاول أن يعلمني مهنة أقتات منها منذ الصغر غير أن حالتي الصحية حالت دون وراثة مهنة الأب أو التأقلم مع أكثر من مهنة أخري, حتي استطعت في السابعة عشر من عمري أن أعمل في إحدي دور السينما كمراقب لحركة الدخول والخروج وقطع التذاكر, وذلك مقابل أجر زهيد تلقيته بالرضا كونه أول رحلة لي في سوق العمل ويكفي في هذه المرحلة أن أتعلم مخالطة الناس, والتفاعل مع المجتمع, وقد صاحب ذلك محاولات للعمل في السمسرة وبيع الملابس والعسل وغير ذلك طلبا للرزق, وبحثا عن حرفة مناسبة لإعاقتي. ويضيف محمد: وفي التاسعة عشر من عمري عملت بعقد مؤقت في إستاد الفيوم الرياضي نظرا لأني كنت لاعبا في مركز المعاقين وعلي علاقة جيدة بالمسئولين, وكنت في فترة سابقة قد حصلت علي شهادة تأهيل مهني في صناعة السجاد والكليم عينت علي إثرها في مديرية الطب البيطري سنة1993 ضمن نسبة ال5% ونظرا لإجادتي القراءة والكتابة فقد عملت في قسم الأرشيف, وتعلمت هناك النظام الإداري للدولة, ووجدتني أقبع في ذيل هيكلها الإداري( الدرجة السادسة خدمات معاونة) عزمت حينها علي بدء صفحة جديدة من حياتي وأنا ابن العشرين, لم تكن الرؤية واضحة أمامي ولكن رغبة قوية دفعتني للخروج من تلك الدائرة المرسومة في الأفق فأقمت نفسي علي طريق الأمل بلا سقف من الطموحات متسلحا بالصبر واليقين في معية الله عز وجل, حيث لم أجد مهنة مناسبة لإعاقتي عبر العالم, وكانت البداية حصولي علي شهادة محو الأمية في نفس العام, ثم الحصول علي الشهادة الإعدادية( منازل) بعدها بثلاثة أعوام, ثم اخترت الطريق الأصعب وخالفت زملائي وقررت الالتحاق بالثانوية العامة رغبة في استكمال مسيرة الدراسة وعدم الاكتفاء بشهادة الدبلوم, وبعد ثلاث سنوات أخري اجتزت مرحلة الثانوية العامة( منازل) وتدرجت وظيفيا من الدرجة السادسة إلي الخامسة الفنية إلي الرابعة المكتبة, ثم التحقت بكلية دار العلوم جامعة الفيوم( نظامي) حيث كانت الكلية في الدور الخامس ولا يوجد مصعد إليها واعتمادي الأساسي في السير علي الكرسي المتحرك, ولكن ذلك لم يمنعني من مواصلة دراستي وعملي في آن واحد, حتي تخرجت في عام2003 وكان اسمي من العشرين الأوائل ممن يستحقون التعيين في الدولة, وحدث خلال دراستي الجامعية أن نقلت للعمل في الجامعة بدرجتي المالية في السنة الأخيرة, وحصلت في هذا العام علي تقدير عام جيد جدا. ويكمل محمد: بعد ذلك اتجهت للدراسات العليا وحصلت علي تمهيدي الماجستير في قسم النحو والصرف سنة2004, ثم حصلت علي درجة الماجستير سنة2009 بتقدير( ممتاز) ورأيت بحثي يرجع إليه في رسائل جامعية أخري, ويوصي أساتذة القسم بالرجوع إليه في بابه لطلبة الدراسات العليا ولله الحمد, وأنا الآن في مرحلة إعداد رسالة الدكتوراه في كلية الآداب, وفي الدرجة الثانية التخصصية, متزوج وعندي طفلتان, أسكن في شقة بالإيجار, أساعد زملائي الباحثين بما يسر الله لي من معرفة, أحاول أن أساعد إخواني المعاقين بما تعلمته من تجارب وخبرات. ويختتم محمد كلامة قائلا: أتمني أن أكون سببا في رسم البسمة علي وجوه زملائي ذوي الإعاقة, ورفع المعاناة عنهم, وهذه صفحات من حياتي, أرسلها عاطرة للباحثين عن الأمل في غياهب اليأس, وسكك التيه, لعلها تستنهض هممهم لغد أفضل, وفجر جديد.