بعد قرار مجلس الشوري باحالة تعديلات قانون السلطة القضائية إلي اللجنة الدستورية والتشريعية دخلت أزمة العدالة منعطفا خطيرا. فقد أعلن نادي القضاة رفضه قيام الشوري بمناقشة القانون داعيا إلي جمعية عمومية طارئة ضد ما وصفه بالتصعيد غير المبرر ازاء السلطة القضائية. الأخطر أن مؤتمر العدالة الذي كان الكثيرون يعلقون عليه آمالا في حل الأزمة دخل هو الآخر طريقا مسدودا بعد قرار مستشاري محكمة النقض ومجلس الدولة ونادي القضاة وهيئة قضايا الدولة هيئة النيابة الإدارية بعدم المشاركة في أعماله. من جهة أخري طالب قضاة بعدم انفراد مجلس الشوري بإصدار قانون السلطة القضائية مؤكدين ضرورة المشاركة في مؤتمر العدالة, وطالبوا الرئيس محمد مرسي بتنفيذ تعهداته بإرسال التوصيات إلي اللجنة التشريعية بمجلس الشوري بموجب حقه الدستوري, بينما اشترط البعض تجميد مناقشة مجلس الشوري لتعديل القانون ضمانا لمشاركة القضاة في مؤتمر العدالة. رجال القضاء حذروا من تكرار سيناريو مؤتمر العدالة لعام1986 إذا لم تتوافر النيات الحسنة لدي السلطتين التنفيذية والتشريعية, ورأي بعضهم أن توصيات المؤتمر المقبل لن تكون ملزمة للحكومة أو البرلمان, وبالتالي ستصبح حبرا علي ورق!. وناشد المستشار أحمد مدحت المراغي الرئيس السابق لمحكمة النقض ومجلس القضاء الأعلي( مجلس الشوري) أن يتريث في مناقشة تعديلات قانون السلطة القضائية, كما ناشد المراغي أبناءه وزملاءه رجال القضاء بعد أن يجمد مجلس الشوري مناقشة القانون أن يستمروا في مؤتمرهم للعدالة, وأن يتفقوا علي مشروع تعديل قانون السلطة القضائية بما يكفل الاستقلال الكامل لهم وتيسير إجراءات التقاضي حتي تتحقق العدالة الناجزة للمتقاضين, وإزالة كل المعوقات التي تؤدي إلي تأخير وصول الحقوق لأصحابها. وقال المستشار أحمد الخطيب رئيس محكمة باستئناف الإسكندرية إن المخرج الوحيد لهذه الأزمة هو عدم ترك مجلس الشوري يتعامل بمفرده, مع القانون خاصة أن القضاة لديهم أكثر من مشروع قانون للسلطة القضائية بإمكانهم التوافق علي أي منهم, وتقديم توصياتهم إلي رئيس الجمهورية, ووضعه أمام تعهداته بتقدمها بموجب حقه الدستوري إلي مجلس الشوري, وبذلك يكون القضاة قد وضعوا الرئاسة ومجلس الشوري في حرج سياسي, أما ترك ساحة المعركة, فإنه يعطي الفرصة لغير القضاة للتحكم في مستقبل السلطة القضائية لاسيما أن مجلس الشوري ملزم دستوريا بأخذ رأي المجلس الأعلي للقضاء, وإذا خالف ذلك فإن ما يصدره من قانون يكون مشوبا بعدم الدستورية, الخطيب قال ان مقاطعة مؤتمر العدالة لن تفيد بأي حال من الأحوال, لأن مجلس الشوري سوف يستمر في مناقشة القانون بعيدا عن القضاة, ونحن بصدد أزمة سياسية الطريق الوحيد لحلها هو الحوار والتواصل من أجل مصلحة القضاء والعدالة في مصر. وأشار المستشار الدكتور محمد أحمد الجنزوري الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة إلي أن مؤتمر العدالة المقبل يعتبر أحد الحلول المقترحة لتحقيق استقلال القضاء, ولكن إن لم تحسن النيات, وتوضع آليات حقيقية لتنفيذ ما تسفر عنه أعمال هذا المؤتمر, فستصبح قراراته مجرد حبر علي ورق مثل قرارات مؤتمر العدالة الأول الذي عقد في عام.1986 وأضاف الجنزوري أن كثيرا من التشريعات والقرارات في الدول المستبدة نجدها تتحدث عن مثاليات ليس لها أي أساس من الواقع, والأهم الذي يجب مراعاته هو التوصل إلي نتائج إيجابية يتحقق بها استقلال حقيقي للقضاء, وليس مجرد استقلال زائف, وهذا ما يسعي القضاة إلي تحقيقه. وأوضح الجنزوري أنه لا يمكن أن تتحد الرؤي إلا إذا توحدت كلمة القضاة علي قلب رجل واحد لتحقيق استقلال حقيقي, وهو أمر لا خلاف عليه بين القضاة جميعا, ويتعين علي السلطتين التنفيذية والتشريعية أن تحسنا النيات لتحقيق هذا الاستقلال, لأن القضاء المستقل في أي دولة هو نقطة الانطلاق لتحقيق أي تنمية اقتصادية أو اجتماعية أو استثمارية, وبغير ذلك لا يمكن لأمة أو دولة أن تنهض أو تقوم لها قائمة, فالعدل والقضاء المستقل هما أساس الحكم وأساس أي نهضة أو تنمية يسعي إليها الحاكم. إصلاح... لا تطهير واوضح المستشار الدكتور رفيق محمد سلام نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية إن مؤتمر العدالة الثاني هو تكرار لمؤتمر العدالة الأول الذي عقد عام1986علي مدي ثلاثة أيام, وكنت عضوا به حينما كنت وكيلا للنيابة الإدارية, وقد انتهي هذا المؤتمر إلي مجموعة من التوصيات بشأن العدالة الناجزة, وعلي مستوي الهيئات القضائية الأربع آنذاك, ولو طبقت هذه التوصيات اليوم لتم النهوض بالعدالة بشكل أكبر, وتوفيرا للوقت والنفقات فإن هذا المؤتمر المزمع عقده قريبا أعتقد أنه سينتهي إلي ذات التوصيات, وأعتقد أيضا أن هذا المؤتمر قد جاء متأخرا, فكان من الواجب عقده قبل إعداد الدستور الجديد, ومشكلة العدالة في مصر لا تحتاج إلي تطهير, كما يردد البعض, ولكنها تحتاج إلي إصلاح نظام قضائي قائم, فالإصلاح يجب أن يشمل النظام, وليس الأشخاص, فليس هناك نظام في العالم أجمع به ست جهات وهيئات قضائية, فمصر بها القضاء والنيابة العامة والنيابة الإدارية ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة والمحكمة الدستورية العليا وهيئة القضاء العسكري, وما يهمنا الآن هو الأربع هيئات قضائية الأولي, ومن المستغرب أن بها نحو23 ألف عضو, وما يزيد قليلا لا يجلس علي منصة القضاء إلا نحو5 آلاف أو يزيد قليلا, والباقي يشغلون أعمالا لا تؤدي إلي العدالة الناجزة. وأضاف المستشار رفيق سلام أنه لو تم الأخذ بنظام وحدة القضاء مع الحفاظ علي التخصصات داخل هذا النظام فسوف يؤدي ذلك الي زيادة عدد القضاة إلي نحو15 ألف قاض, والباقي يعمل بالنيابات المتخصصة المتراكمة بالمحاكم في أسرع وقت, وهذا بلا شك سيكون له أثر مباشر وفعال وقوي للنهوض بالاقتصاد المصري, وحل النزاعات والخلافات بين الأفراد أو بين الدولة والافراد أما في حالة الإبقاء علي النظام القضائي الموجود حاليا, فلابد من الأخذ بنظام تبسيط الإجراءات القضائية أمام المحاكم, ولابد من إعطاء النيابة الإدارية اختصاصات النيابة العامة في قانونها الجديد لإمساك الجهاز الإداري للدولة المتحلل بقبضة من حديد, ولابد من إعادة النظر في كل التشريعات بما يؤدي إلي عدالة ناجزة سريعة. وحول سن القضاة قال سلام لا يمكنا قياس أعضاء الهيئات القضائية بموظفي الدولة التي بها سبعة ملايين موظف خاصة أن أعضاء الهيئات القضائية, أعدادهم محدودة وإعداد القاضي, فنيا يتطلب وقتا طويلا والرجوع بالسن لا يحل مشكلة العدالة في مصر ما لم يؤخذ بنظام القضاء الموحد, وفي جميع الأحوال لابد أن يكون هناك توافق قضائي سياسي بين رجال القضاء والقائمين علي السلطة التنفيذية بما يحقق مصلحة مصر ومصلحة العدالة. توصيات غير ملزمة ويقول المستشار إسماعيل حمدي عضو مجلس القضاء الأعلي, ورئيس محاكم الاستئناف السابق لست من مؤيدي عقد مؤتمرات للعدالة ذلك أن العدالة في مصر لا تقتصر علي القضاء العادي, وإنما تمتد إلي كل الجهات القضائية التي تسهم في إرساء الأحكام والمباديء المهمة, وعلي رأسها القضاء الإداري والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة, فضلا عن أن مثل هذه المؤتمرات لا تخرج إلا بتوصيات غير ملزمة ذلك لأن القواعد المنظمة لشئون القضاء هي من اختصاص السلطة التشريعية, وأنه يتعين علي رجال القضاء أنفسهم الغيرة علي استقلالهم والحرص علي الذود عن حقوقهم أولا بأول لأن التفريط في أداء هذه الرسالة يضيع كرامة القضاء, ويجعل مبدأ الاستقلال ذاته شعارا, بلا مضمون فخير ضمانات القاضي هي التي يستمدها من قرارات نفسه. وأضاف المستشار إسماعيل حمدي أن خير حصن يلجأ إليه القاضي هو ضميره, فقبل أن نفتش عن ضمانات للقضاة يجب أن نفتش أولا عن الرجل تحت وسام الدولة, فلن يصنع منه الوسام قاضيا إن لم يكن له بين جنبيه عزة القاضي وكرامته وغضبته لسلطانه واستقلاله, وللاسف الشديد أن ما رأيناه خلال العقود الماضية هو تعمد المسئولين إثارة الخلاف بين القضاة, وتقريب البعض منهم والاغداق علي أشخاصهم ومعاداة البعض الآخر, واتهامهم بالاشتغال بالسياسة بهدف ترغيبهم واخضاعهم علي نحو ما هو واقع الآن, حيث نسمع أن هناك تيارا للاستقلال وتيارا مؤيدا لمواقف نادي القضاة بالقاهرة, وآخر مؤيدا لأندية القضاة بالأقاليم وتيار آخر ما يسمي قضاة من أجل مصر, واخيرا دعا المستشار إسماعيل حمدي جميع القضاة التوحد دفاعا عن استقلالهم, وأن يتذكروا إلي أنه ما من مرة وقف فيها القضاة وقفة رجل واحد دفاعا عن استقلالهم إلا ونزلت الدولة علي كلمتهم.