للوقوف أكثر علي أبعاد أزمة مياه النيل التي باتت تشكل هاجسا كبيرا للمصريين, كان لزاما علينا النظر إلي الأبعاد الحقيقية للمشكلة من وجهة النظر الإثيوبية لنعرف كيف يفكرون وما هي المشاعر والمصالح الحقيقية التي تدفع السلطات هناك لاتخاذ القرار ببناء سد النهضة, وتدفع أيضا الكثير من الإثيوبيين لتأييده. ولا يخفي علي كل وطني مخلص يعنيه صالح البلاد أن المصارحة بحقيقة الأمور هي الطريق الأقصر لحل الأزمة, وفيما يلي مقتطفات مما كتبه الكاتب الإثيوبي دانيل بريهاني في مقال له بجريدة' أديس فورتشن' حول نظرة المصريين لإثيوبيا وكيف أنهم لا يشعرون في داخلهم بأي امتنان للبلد الذي تنحدر منه مياه النيل إليهم لتسقيهم و تمنحهم الحياة. وتذكر بريهاني زيارة قام بها لمصر أثناء درا سته تركت في نفسه انطباعات كثيرة, يقول: بصرف النظر عن الآثار والمعابد المهيبة و المظاهر الطبيعية التي لن ينساها, إلا أنه تعمد أن يجيب علي كل من يسأله من أي بلد أنت ؟ بكلمة: أنا من إثيوبيا أبو النيل. و يقول إنه في كل مرة كان يأتيه رد واحد لا يتغير: الله هو من خلق النيل وليس إثيوبيا.ويقول إن هذا صحيح لأنه ليس من حق أحد أن ينسب لنفسه فضل وجود النيل لكن الله اختار إثيوبيا لتكون منبع المياه التي تصل ل300مليون شخص من تنزانيا إلي مصر. و اتهم بريهاني صراحة المصريين بالاستعلاء عن هذه الحقيقة و تعاملهم مع مياه النيل علي أنها ملكيتهم الخاصة, و تعمدهم لنكران حقيقة أن مياه النيل تنبع إليهم من إثيوبيا, وحتي بعد وقوع الأزمة و إعلان إثيوبيا اعتزامها بناء سد النهضة, لم يتبن المصريون حوارا بناء للوصول إلي أرضية مشتركة يقف عليها الجميع- وفقا لبريهاني-, فأخذوا يتحدثون بعنجهية, و ليس علي اثيوبيا أن تقبلها بأي حال من الأحوال. و لن تأتي علي المصريين إلا بنتائج عكسية. ويقول إنه بناء علي هذا الاسلوب في التفكير المصري, وصل الأمر إلي التهديد بالقيام برد فعل عسكري في حال انخفاض معدل مياه النيل القادم من اثيوبيا. و بالتالي لا يمكن أن يلوم أحد علي تفكير العامة من أبناء مصر علي التفكير بهذه العقلية. ويلاحظ بريهاني أن الأشهر الأخيرة و التي حملت فيها وسائل الاعلام المصرية أنباء غير سارة علي اتخاذ اثيوبيا خطوات فعلية لبناء سد النهضة شهدت أيضا تغيرا ملحوظا في السياسيات المصرية في التعامل مع القضية, لكنه يثري أن هذا التغيير أيضا لم يصب في صالح المصريين. وأشار إلي لقاء الرئيس المصري محمد مرسي لعدد من المسئوليين الاريتريين رفيعي المستوي بالقاهرة, حيث أخبرهم أنه واثق من أن إريتريا لن تخذل حقوق مصر القانونية في مياه النيل وأنه يتمني لقاء الرئيس الإريتري أسياس أفورقي. وأضاف: لم يذكر الرئيس المصري كلمة عن إثيوبيا ولا عن الرئيس الاثيوبي الذي من المفترض أن يكون هو الطرف الثاني والمنطقي للأزمة و الذي يجب أن يدور معه الحوار. وينتقد بريهاني أيضا تسريب النظام المصري لمعلومات تفيد بأن المصريين يعتزمون تفجير سد النهضة إذا استشعروا أية مخاطر علي حصة المياه التي تصلهم!! و ينهي الكاتب الإثيوبي مقاله بأن اقتراب الخطر من المصريين ربما يكون فعل شيئا في تغيير نظرتهم لإثيوبيا; حيث بدت بارقة أمل مؤخرا حين قال المتحدث باسم الرئيس المصري إنه لا داعي لحالة الفزع التي اجتاحت المصريين من الأنباء التي ترددت حول سد النهضة, و يختتم بقوله: يبدوا أن المصريين بدأوا يدركون إثيوبيا هي حقيقة أبو النيل'.