القيروان...منارة العلم ومركز انطلاق الحضارة العربية والإسلامية للعالم, بناها الصحابي عقبة بن نافع في العام الخمسين للهجرة, جذبت أنظار العالم مؤخرا حين تحولت لنقطة انطلاق للتجاذبات السياسية والاشتباكات الأحد الماضي بين الحكومة التونسية التي يقودها حزب النهضة و حركة أنصار الشريعة السلفية علي خلفية منع المؤتمر الثالث للحركة التي لا تؤمن بضرورة الإلتزام بالقوانين الوضعية التنظيمية. وقد إشتعلت الأحداث عندما قررت الحركة حشد أنصارها ودعوتهم للتوجه بكثافة لمدينة القيروان لتحدي أمر حكومي يقضي بمنع اللقاء السنوي وحين تعذرت إقامة الجمع السنوي وجهت الحركة دعوة أخري للتجمع في حي التضامن الشعبي, ومن ثم اتخذت الأحداث منحي تصاعديا انتهي بوفاة متظاهر وإصابة آخرين,ومن ثم إعلان الانهيار التام لفترة التعايش والتحالف بين الجانبين, وإعلان زعيم الحركة ضرورة الدفاع عن الإسلام في تونس تماما كما هو الحال في أماكن مثل أفغانستان والعراق وسوريا, وتخيير رئيس الوزراء علي العريض أنصار الشريعة إما بتقنين أو إنهاء وجودهم. والحقيقة أنه بعد نجاح الثورة التونسية والإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في2011, برزت علي السطح العديد من القوي الجديدة ولضمان الإمساك بزمام السلطة رأت الأحزاب الإسلامية أنه ينبغي عليها التحالف في وجه الأحزاب المدنية والثورية, وهو تحالف أثبت نجاحه بالفعل حين صعد حزب النهضة ونجح في المجلس التأسيسي,وذلك بعدما أرتأت الأحزاب الأكثر تشددا أن حزب النهضة المعروف بوسطيته هو البديل المقبول لتقديمه للشارع المتعطش لتغيير نظام الحكم والراغب في الوقت ذاته بتجربة أحزاب ذات أيديولوجية مختلفة عن حزب الرئيس السابق. غير أن أداء النهضة- التي تحاول جاهدة محاربة تنظيم القاعدة المتربص علي الحدود- لم يحظ برضاء أي من خصومها, فالسلفيون يرون أن الحزب ابتعد عن أصوله الإسلامية حين قرر مهادنة الأحزاب المدنية بينما تري المعارضة ان النهضة تتساهل مع حلفائها السلفيين علي حساب البلاد ومقدراتها ومكتسباتها, حين غضت الطرف عن تشددها وإمتلاكها للأسلحة. وبعد المواجهات الأخيرة رأي كل طرف أنه من الأفضل تغيير إستراتيجيته مع الطرف الآخر, فاتجهت الحكومة للمزيد من التشدد وإعتقلت أكثر من200 من أنصار الدعوة السلفية ودعت ما أسمتهم' بالمتشددين دينيا' المطلوبين بتسليم أنفسهم للسلطات مع ضمان حسن المعاملة, بينما دعت الحركة لمظاهرات حاشدة وقررت الرجوع لإقامة الخيم الدعوية المحظورة في الجامعات وأماكن التجمعات. والحقيقة أن تطورات الأحداث تنذر بتوجه الأوضاع السياسية نحو المزيد من التأزم والانهيار مما يدفع الشارع للتأهب وانتظار ما تسفر عنه الأيام, لذا ينبغي علي الحكومة القيام بواجباتها تجاه الدولة وبدء حملة شاملة لمحاربة التطرف وإقتلاعه من جذوره.