في ظل الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد وتعدد جرائم الخطف والسرقة, جاء الحادث الإجرامي بخطف الجنود المصريين في سيناء ليلقي مزيدا من الضوء علي حوادث خطف الأطفال والنساء, وسرقة السيارات تحت تهديد السلاح, والتي تحدث في مختلف المحافظات, ولا تكاد تخلو منها صفحات الحوادث وتتكرر بصفة يومية للمطالبة بفدية مقابل إعادة المختطفين الي ذويهم, او إعادة السيارات المسروقة الي أصحابها, والتي تنتهي في كثير من الأحيان بدفع فدية مالية مقابل الإفراج عن هؤلاء المخطوفين. السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو رأي الدين في تلك الحوادث البشعة التي لم تشهدها مصر من قبل ؟ وإذا كان الحل الأمني وحده لم يعد كافيا فما هي سبل المواجهة ؟ وما هو دور المؤسسات الدينية والوسائل الإعلامية في مواجهة تلك الظاهرة التي تهدد أمن المجتمع؟! يؤكد علماء الدين ان هذه الجرائم الغريبة علي أخلاق المصريين حرابة تستوجب تطبيق أشد العقوبات علي مرتكبيها, حتي لايكونوا أسوة في فساد غيرهم,مطالبين الجميع بالتكاتف والتعاون لمواجهة هذه الجرائم باعتبار ذلك واجبا شرعيا ومسئولية وطنية علي الجميع, محذرين في الوقت نفسه من استمرار حالة الانفلات الامني التي يعانيه الشارع المصري حاليا. ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء, لقد كثرت في الاونة الاخيرة وظهرت في مجتمعاتنا ظواهر سلبية لم تكن موجودة من قبل بهذه الصورة البشعة, مثل خطف الأطفال والفتيات وسرقة السيارات تحت تهديد السلاح, ومطالبة أهالي الأطفال والفتيات وأصحاب السيارات بفدية مالية كبيرة نظير اطلاق سراح الاطفال,ممايهدد وينذر بكارثة حقيقية في المجتمع, وقد ترتب علي هذه الظواهر السلبية اصابة جميع المواطنين بالخوف والهلع علي انفسهم واولادهم واموالهم واعراضهم. وشدد علي ان المقاومة والقضاء علي هذه الظواهر السلبية,يعتبر من الضرورات والواجبات الشرعية,وذلك يستوجب عدة امور, منها ان تقوم الدولة ممثلة في اجهزتها المعنية المختلفة باستنفار كل طاقتها لتحقيق واعادة الامن في ربوع البلاد, حتي يأمن الناس علي انفسهم واموالهم واولادهم سواء في منازلهم او اماكن اعمالهم او المدارس او في الطريق العام,وهذه مسئولية الدولة ويجب ان تقوم بها علي اكمل وجه,لان من اخطر الأمور ان يعيش الناس في خوف وهلع وفزع,ألم تر ان سيدنا الخليل ابراهيم عليه وعلي نبينا افضل الصلاة واتم التسليم قد طلب من ربه تعالي نعمة الامن قبل نعمة الرزق وقد حكي القرآن الكريم ذلك في مواضع مختلفة,منها قوله تعالي وإذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق اهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر...... تعاون الشعب ضرورة وأكد الدكتور أحمد عمر هاشم,انه للاسهام في سرعة القضاء علي ظواهر خطف الاطفال والفتيات والمطالبة بفدية لاطلاق سراحهم,يجب علي المواطنين والاهالي جميعا ان يتعاونوا مع الدولة ورجال الامن وألا يقفوا مكتوفي الايدي لان هذه الجريمة مسئولية الجميع حكاما ومحكومين, والتصدي لها مسئولية الجميع ايضا,وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. وأوضح ان علي الدعاة والعلماء والمفكرين والمثقفين,ان يقوموا بحملة اعلامية مكثفة ضخمة في مختلف وسائل الاعلام( المقروءة والمسموعة والمرئية)حتي يوضحوا للناس خطر هذه الجريمة علي جميع افراد المجتمع الواحد,إذ ليس من المعقول ان الناس كانت مستبشرة خيرا بعد ثورة25 يناير وإذ بهم يفقدون اعظم نعمة في الوجود وهي نعمة الامن والامان, كما يجب علي جميع وسائل الاعلام ان تعطي مساحة واسعة في برامجها المتنوعة لعلماء الامة المشهود لهم بالكفاءة والتواصل مع الناس ليبينوا لهم حق العباد في ان يعيشوا في امن وامان. الضائقة المالية ليست عذرا وفي رده علي الذين يقترفون هذه الجريمة الشنعاء بحجة الازمات المالية والظروف الاقتصادية الطاحنة التي يمرون بها, يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس استاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الازهر, ان الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتي تكون خانقة ويمر بها بعض افراد المجتمع ليست مبررا ولاعذرا لارتكاب جرائم السرقة والاختطاف والاغتصاب والنهب والرشوة والاختلاس وترويع الآمنين من الناس,ولا القيام باعمال غير مشرعة للخروج من هذه الظروف الاقتصادية الطاحنة, ولو أن كل انسان يمر بضائقة مالية ارتكب جرما اوعملا غير مشرع للخلاص من هذه الضائقة لتحول المجتمع الي غابة الخاسر فيها الجميع. وأشار الي ان من يقوم بهذه الجرائم ويرتكبها ايا كان الباعث عليها- فانه يكون مجرما في شريعة الاسلام بل في جميع الشرائع السماوية,ويكيف هذا الفعل الاجرامي وفقا لاحكامها علي اساس انه جريمة سرقة او اغتصاب او حرابة او اختلاس او رشوة او غير ذلك, يضاف الي ذلك ان الباعث علي فعل واتكاب هذه الجرائم لايعتد به الشارع ولاقيمة له عند تكييف الجريمة وهذا الفعل من وجهة نظر الشارع,باعتبار ان هذه الجريمة تكيف حسب الواقع,وعلي حسب نصوص الشرع التي تحكمها بغض النظر عن اي امر آخر, ويضاف الي هذا مافعله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في زمن خلافته من اسقاط حد الحرابة في عام الرمادة, انما كان لظروف عامة في المجتمع لمسها هو بنفسه,والحال في هذه الايام مختلف عن ايام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه, إذ اننا نجد عصابات السطو المسلح- افرادا اوجماعات علي المؤسسات والمنشآت العامة والخاصة وجرائم السرقة والاختطاف للاطفال والفتيات وعمليات الاختلاس والرشاوي التي تتم داخل المدن في اكثر المناطق زحاما, لم يرتكبها اصحابها بدافع اشباع الجوع, وانما الواقع يؤكد ان هؤلاء المجرمين بلغ بهم الغني مبلغه, ولقد وجدنا انهم يطلبون لرد هذه السرقات او الاطفال او الفتيات اموالا يعجز عن تدبيرها اغني اغنياء المجتمع. وأوضح الدكتور إدريس ان من يمارس الجريمة لا شباع جوعه لا يطلب الملايين من الجنيهات بالاكراه,لان اشباع الجوع لايحتاج الي كل هذه الملايين ولا الآلاف ولا المئات من الجنيهات,وهذا يدل علي ان هؤلاء المجرمين يجب علي الدولة ألاترحمهم وألاتلتمس لهم عذرا,حتي لايكونوا اسوة في فساد غيرهم,كما يجب علي الدولة ان تطبق عليهم العقوبات التي يستحقونها بوصف وتكييف الجريمة في ظرفها المشدد,لان هذا هو جزاؤهم الذي يستحقونه,حتي ينعم الناس والمجتمع كله بالامن والامان,ويشعر بالسكينة التي افتقدوها منذ اندلاع ثورة يناير الي يومنا هذا. ويري الدكتور عبدالفتاح ادريس, أيضا, ان الشرع حدد عقوبة هؤلاء المجرمين بتكييف فعلهم الشنيع وهي جريمة الحرابة التي يقوم بها(فئام) من الناس استخفوا بكل القوي في المجتمع, وصارت لاتمثل لهم شيئا ذا قيمة مما سهل عليهم ارتكاب جرائمهم الشنيعة, وهؤلاء المجرمون في حق انفسهم اولا وحق الناس والمجتمع ثانيا,لايجدي ولاينفع معهم سوي تطبيق الاحكام والقانون والعقوبات بحزم علي ما اقترفوه من جرائم يندي لها الجبين,دون التماس اي اعذار او ظروف مخففة عنهم بوصف هذه الجرائم التي ارتكبوها ممثلة لجريمة متكاملة الاركان, وموصوفة في الفقه الاسلامي بجريمة الحرابة, والافساد في الارض وقد وردت عقوبتها في قوله تعالي في سورة المائدة إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أوتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم,مشددا علي ان المجتمع ماأحوجه الآن الي تطبيق العقوبات الحازمة علي هؤلاء المجرمين العتاة حتي يشعر الناس بالامن والامان والسكينة في مسكنهم ومأكلهم واماكن اعمالهم وطريقهم.