ما أجمل الحياة! حمام بارد في هذا الطقس الحار. وإجازة من العمل بعيدا عن الضجيج. انتهيت لتوي من قراءة الجرائد واحتساء الشاي في الفنجان الابيض الذي أحبه. الشاي يأتي بعد جرعة القهوة المكثفة التي أحتاجها بكثرة في الصباح والمساء علي السواء. توجهت إلي المطبخ الذي له سلمه في مدخله تأخذك لمستوي أعلي قليلا من الممر الذي يفضي إليها. حين سألني العامل الذي ركب السيراميك في البيت إن كنت أرغب في سلمة أعلي للمطبخ بدت لي الفكرة جيدة. لم أكن أعرف وقتها أنه سيترتب علي ذلك وضع كميات أكبر من الرمل وبتالي تكاليف أكثر. لكن في النهاية أصبح لمطبخي سلمة أرفع رجلي عليها دون تفكير. أضأت نور المطبخ لأضع الفنجان. ما أن أشعلت النور حتي تحرك فجأة شئ مسرعا مذعورا ودخل من فتحة ضيقة للسندرة. أصبت بذعر لا يقل عما أصاب هذا الشيء الذي أظنه عرسه أو فأرا. اندفعت إلي حجرتي والفنجان في يدي وأنا اتمتم بعبارات ياخرابي.. اعمل ايه..اعمل ايه! لم أجد من أتصل به سوي طليقي. نعم طليقي أبو ابني. لم يرد الموبايل. قلت لنفسي لماذا لا أنزل من البيت علي الفور ألم أكن أنوي ذلك من الأصل. فلأفعل هذا. ارتديت ملابسي علي عجل وأنا ألعن كل شيء وعلي رأسه استقلالي!! في السوبر ماركت رن تليفوني. علي الخط كان طليقي. قصيت عليه ما حدث وقلت له اني مررت علي البواب فلم أجده. قال أتي إليك اذا رغبت. قلت سأعاود محاولة العثور علي البواب. عدت للبيت وانا خائفة. نور المطبخ مضئ كما تركته. نور حجرتي مضئ هو الآخر, والممر الذي يفصل بينهما أيضا. كيف أتجاسر الآن علي دخول المطبخ لأعد لنفسي فنجانا من القهوة. ولكني تجاسرت ودخلت ليس من باب الشجاعة ولكن من باب إدمان القهوة. اتصلت هاتفيا بالبواب. رد قال انه متوجه الآن للمعادي. قلت متي تعود؟ قال سأمر عليك لدي عودتي وبحوزتي سم سنضعه للعرسه. انتظرت طويلا ولم يأت. ولكن لابد أنه قادم. لا محالة أن يتركني هكذا. اتصلت صديقات لي أوصتني إحداهن أن أدير الراديو طوال الليل لأن وجود صوت سيبعد العرسة فهو دليل حياة. ظللت ساهرة في انتظار البواب. كنا في رمضان. والساعة الآن اصبحت الثالثة والنصف صباحا. لا أمل.. لن يأتي. في هذه الأثناء وتحت تهديد العرسة استعرضت حياتي. كم أحتاج إلي آخر. لماذا انفصلت عن طليقي. هل لم يكن هناك مفر من هذه النهاية. لعنت استقلالي مرة أخري. وقلت لصديقتي علي الهاتف لأ فيه مواقف الواحد بيحتاج فيها لحد.. لآخر. استعدت في ذهني مكالمتي مع طليقي. لماذا حكيت له وقائع العرسة ولم أصرح قائلة أنا أحتاج إليك! ماتت العرسة او هربت لا أعلم. فالبواب جاء في اليوم التالي وبحوزته السم. هربت أو ماتت لا أعلم كل ما أعلمه اني لست نفسي الانسانة التي كنتها قبل ظهور العرسة! يبدو اني في حاجة الي آخر رغم اني اكتشفت مع مرور السنين مزايا كثيرة لأن يعيش الانسان بمفرده. جاء طليقي في اليوم الثاني.. ورغم ان السم وضعه البواب وأحكم اغلاق السندرة هو ما قام به البواب ايضا ولكني لسبب ما كنت أفكر في أن طليقي هو الذي انقذني. فيكفي أن تجد انسانا يقول لك عند الخطر بمقدوري أن أتي لنجدتك علي الفور. الآن مرت شهور علي الواقعة.. واقعة العرسة.. استعدت فيها ذاكرتي مجددا.. ذاكرة الخلاف مع زوجي.. هذا التاريخ الملئ بالتناقض.. أوجه طيبته وحنانه جنبا إلي جنب مع أوجه اختلاف طبيعته عن طبيعتي إلي حد الاغتراب. في الاستقلال عشت حقيقتي. أخطاء كثيرة وقعت نعم ولكن أنا هي أنا التي اعرفها بدون تنازلات.. تنازلات عن الجوهر.. جوهر الكينونة. اذا ظهرت عرسة مرة أخري ربما أعود لنقطة الصفر أو الي المربع رقم واحد. سألعن استقلالي وسأحتاج إليه لكن مع مرور الوقت واستعادة الأمن تدريجيا سأعود لنفسي مجددا تلك المرأة التي عشقت الحرية والجنون وانتهت كل ما انتهت اليه ببساطة هو مساحة محررة. بيت مستقل.. افعل فيه ما يحلو لي من أول الألوان التي أحبها الي الغناء الي القراءة. استقلالي مرهون بك ايتها العرسة.. انت مصدر التهديد والخطر ازاءك أعود طفلة مذعورة.. بدونك أعود المرأة التي عرفتها التي تعشق الحرية والجنون وكينونة أن تكون كما يحلو لها أن تكون!