بعيدا عن التحليلات السياسية لرجوع الجنود المصريين السبعة المختطفين فى سيناء .. كيف اختطفوا؟ وكيف عادوا؟ .. فهذه التحليلات لها خبراؤها ومفكريها وحتى هذه الأيام لها مذيعيها. لكننى تأثرت بشدة من عودة واحد من هؤلاء السبعة .. وهو مجند / إسلام إبراهيم عباس حين استضافت إحدى القنوات العربية الشهيرة التى فتحت قناة بإسمها خاصة بمصر أسرة الفتى خاصة جدته. - المشهد يبدأ بجلسة يتجمع فيها كل أهل إسلام من الجدة إلى العم والأقارب والأصدقاء والجيران .. فى حجرة واسعة ليس بها حتى كنبة واحدة.. اضطرت المذيع الشاب إلى أن يجلس على الأرض بجوار جدة إسلام. - الحوائط والأرضية مغطاة بكسر السيراميك.. وليست المحارة العادية التى نعرفها فى بيوتنا. - لا يوجد إلا كرسى خشب واحد كان من نصيب الرجل وهو عم إسلام. بدأ المذيع من جدة إسلام.. فقالت: أنا التى ربيت إسلام بعد وفاة والدته .. أريد له شقة وعمل!!! .. وصمتت. المذيع: لكننا نتحدث عن مشاعرك كأم لعودة إسلام. الجدة: إسلام ولد غلبان يتيم وأنا التى ربيته، وأريد أن أراه مستورا .. ووالده رجل فكهانى على باب الله.. أنا التى قلت لوالده تزوج بعد وفاة زوجتك وأنا التى ربيت إسلام. المذيع يصر: ولكنك يا حاجة سعيدة بعودة إسلام. الجدة: طبعا أنا مبسوطة وأمنيتى أشوف إسلام يعمل عملا يكفيه هو وأسرته وله شقة يعيش فيها ويتزوج فيها. تقريبا.. كان معظم الحوار يدور هكذا بين الجدة المصممة على حصول إبنها الذى ربته على حقوقه فى الحياة من عمل مناسب ومأوى مناسب وزوجة تعين الإبن على نوائب الحياة. سعدت كثيرا الجدة على عودة إسلام هذا مما لاشك فيه .. ولكنها تنظر للحياة نظرة الحكيمة الخبيرة الواعية .. نظرة المرأة التى مر عليها الزمن .. وتعلم أنها أمام فرصة إعلامية وتلفزيونية كبيرة عليها استغلالها فى تأمين جزء يسير من حياة إبنها إسلام. تعلم بحكمتها أن ما حدث لإسلام قضاء وقدر وأنه قد حدث وانتهى بفضل الله وعاد سالما.. ولكن لأنها عاشت فى الماضى فهى تفكر فى المستقبل. فهى لا تتكلم كثيرا على الماضي .. هى الأن مشغولة بمستقبل الإبن الذى تعبت علي تربيته من وفاة والدته. تدرك بخبرتها أيضا أن عملا جيدا يواجه المرء به شراسة الدنيا وتربص المحيطين .. أهم آلاف المرات من زغاريد أطلقت فى أرجاء قريتها لعودة إسلام. الجدة اختصرت آلاف الكلمات وآلاف الصرخات والآهات وحتى الابتسامات التى ارتسمت على الوجوه لعودة الإبن إسلام ..فى جملة واحدة هى المستقبل. أى أنها قالت لنا ماذا بعد؟ على الرغم من أن الفقر يطل فى المكان فى كل شيء حتى من الكلمات التى خرجت من ألسنة كثيرة.. إلا أن حكمة الجدة العجوز كانت أعمق .. ورؤيتها للأمور رغم ضعف بصرها كانت أوضح .. وتفكيرها رغم سنها الكبير كان أنقى .. لتضعنا جميعا تحت دائرة السؤال الأبدى .. ماذا بعد؟ [email protected] لمزيد من مقالات أحمد سعيد طنطاوى