الشعب لم يسقط النظام هكذا هو لسان حال الانتخابات العامة المبكرة التي جرت في بلغاريا مطلع الأسبوع الماضي وفشلت في تحقيق الاستقرار السياسي في أفقر دول الاتحاد الأوروبي, بل وانتهت بإحداث أزمة سياسية جديدة أكثر تعقيدا. فالحزب الحاكم الذي أطاحت به الاحتجاجات الشعبية في فبراير الماضي من السلطة هو الفائز أيضا, والبرلمان الجديد المنتخب بموجب نتائج الانتخابات موقوف عن انعقاد جلساته وممارسة مهامة بعد التماس قدم إلي المحكمة الدستورية في بلغاريا لإلغاء نتائج الانتخابات وإجراء انتخابات جديدة بسبب مزاعم تؤكد التلاعب في نتائج الانتخابات وانتهاك القوانين الانتخابية. وأفرزت نتائج الانتخابات برلمانا منقسما ترك الجمهورية الأوروبية الفقيرة في مأزق أعمق من ذي قبل. فقد أظهرت النتائج الرسمية الأولي للانتخابات العامة تقدم حزب مواطنون من أجل التنمية المعروف إعلاميا ب جيرب ويمثل تيار اليمين, حيث حصل علي نسبة31.4% من الأصوات وحصل علي97 مقعدا برلمانيا من أصل240, في مقابل27.3% من الأصوات للاشتراكيين. إلا أن جيرب لم يحصل علي الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة وحده, وهنا مربط الأزمة, حيث يصعب علي الأحزاب المتنافسة والمعارضة لسياسات بعضها البعض الاتفاق علي تشكيل حكومة ائتلافية. وألقي المشهد الانتخابي المرتبك بظلاله علي الأجواء العامة في بلغاريا. وانعكس الإحباط الواسع النطاق من العملية الانتخابية في حجم الإقبال الذي بلغ53% فقط, وهي أدني نسبة مشاركة في الانتخابات البرلمانية منذ سقوط الشيوعية عام.1989 وتحول الإحباط إلي خيبة أمل بعد إعلان نتائج الانتخابات. وكان الهدف الأساسي من إجراء انتخابات عامة مبكرة عن موعدها هو احتواء الأزمة التي خلفتها الاحتجاجات الشعبية علي سياسات التقشف, فقد اندلعت المظاهرات الغاضبة في العاصمة البلغارية صوفيا وغيرها من المدن البلغارية وبدأت تأخذ طابع دموي بعد ارتفاع كبير في فواتير الكهرباء وارتفاع تكاليف المعيشة وتدني الأجور, كما بلغت نسبة البطالة في بلغاريا في يناير الماضي11%, وتحولت الاحتجاجات بسبب إجراءات التقشف الصارمة إلي المطالبة باستقالة حكومة يمين الوسط بزعامة رئيس الوزراء بويكو بوريسوف زعيم حزب مواطنون من أجل التنمية المحافظ. إلا أن الوضع بات أسوأ مما كان, فالبرلمان معلق والصراع السياسي بين الأحزاب المتنافسة احتد أكثر, والمثير للدهشة هو أن من تقدم بالتماس لإلغاء نتائج الانتخابات هو الحزب الفائز الحاصل علي أعلي نسبة أصوات. فقد أعلن رئيس الوزراء المستقيل بويكو بوريسوف وزعيم الحزب الفائز أن حزبه خسر ما بين5% و6% من الأصوات نتيجة للتلاعب في نتائج الانتخابات. بل ودعي إلي إعادة التصويت في غضون ستة أسابيع. وفي وصف للمشهد السياسيي في بلغاريا, أطلقت صحيفة الجارديان البريطانية علي حزب مواطنون من أجل التنمية سماسرة السلطة في إشارة إلي فساد سياسات الحزب. وبعد ست سنوات من الانضمام للاتحاد الأوروبي, يشعر كثير من مواطني بلغاريا وعددهم7.3 مليون نسمة بالغضب من تدني مستويات المعيشة والكسب غير المشروع, خاصة بعد حملة انتخابية تبادل خلالها الأحزاب المتنافسة الاتهامات بصورة أكبر من تقديم سياسات واضحة وبرامج انتخابية تجذب الناخبين.