لا يمكن لأي مهتم بالشأن الأدبي أن يتصور أن نجم فيكتور هوجو شاعر وأديب الفترة الرومانسية و الكاتب الاجتماعي الفرنسي, بعد حوالي قرنين من السطوعسيقترب يوما ما من الأفول. فرغم مرور128 عاما علي رحيله مازالت استوديوهات السينما في كل انحاء العالم مهتمة بأعماله و لا تزال نهمة ومولعة بإصدار نسخ حديثة لروائعه الخالدة والمستمدة من رواياته التي قرأها مئات الملايين. فأعماله ببساطة تعد تشريحا عميقا للظلم و معاناة وصرخات الطبقات المنسحقة من البشر. أما في بلاده فقد أعلنت الحكومة الفرنسية اثر وفاته في22 مايو1885 الحداد العام و تم دفنه في مقبرة بانتيون الخاصة بالمشاهير, ولم يكن قد حظي حتي ذاك اليوم أي أديب بهذا التقدير الرسمي وقد أجاب الكاتب الفرنسي العالمي اندريه جيد علي سؤال احد الصحفيين في احد حواراته: من هو أكبر كاتب فرنسي؟.. أجاب جازما: هو فيكتور هوجو. وتأتي في تاريخ الأدب الغربي اليوم إشارات إلي أن مؤلفات هوجو كانت مبادئ لحركة تنويرية وتثقيفية هي روح ومبادئ الثورة الفرنسية. فقد أعلن هوجو من خلال أدبه عن التزامه بتمثيل نزعة إنسانية مكافحة للظلم والقهر والاستعباد وقد كان إيمانه المطلق بالعدل والمساواة بين البشر سببا لجماهيريته الواسعة وحب الناس له. ويمكن القول إن هوجو كان في باكورة أعماله واقعا تحت تأثير كتابات شكسبير و الرومانسية الألمانية.وقد كانت مسرحياته الرومانسية ضربة كبيرة للمسرح الكلاسيكي الفرنسي. وقد أعلن في مقدمة مسرحية كرومويل برنامجه الأدبي و رؤيته الجمالية المؤسسة للمدرسة الرومانتيكية الفرنسية, وكانت تلك المقدمة بمثابة بيان مانيفيستو للرومانسية في عصرها. فإنه علي خلاف ستاندال وبلزاك كان يؤكد علي أن الدراما ينبغي أن تكون اجتماعية وأن تتناول القضايا الاجتماعية, وأن تتحول خشبة المسرح إلي ميدان للنقد الاجتماعي, لأنها, أي خشبة المسرح, هي بذاتها عالم يتبع السياسة.. وكانت الرومانسية عند هوجو تربطها صلة قريبة بالمدرسة الليبرالية أيضا البدايات وقد حصل هوجو لأول مرة عام1819 في السابعة عشرة من عمره علي جائزة في الشعر, و كافأه الملك لويس الثامن عشر بمنحة ملكية لإعجابه الشديد بديوانه الشعري الأول الذي تدور معظم قصائده حول حبيبته أديل فوشيه وقام هوجو فيما بعد بمزاوجة قصائده بالموضوعات الفلسفية, وقد كانت قصائده في تلك الفترة, وبتأثير من آداب الشرق, تميل إلي الطبيعة, وتسجل خواطر حزينة, وفي صباه قال إنه سيكتسب شهرة ترقي إلي شهرة شاتوبريان. وقد أطلق عليه بعض النقاد شكسبير الرواية. ويمكن للقارئ اليوم أن يتعرف إلي ثورة جولاي الفرنسية, و ثورة عمال باريس, و الملكية الدستورية, والرجعية الحاكمة في تلك الفترة الزمنية عن طريق كتاباته. أعماله الكبري وتعتبر روايته نوتردام باريس أو أحدب نوتردام أهم رواية للعصر الرومانسي الفرنسي وقد أكسبت كنيسة نوتردام شهرة واسعة جعلتها واحدة من أهم المزارات السياحية في باريس. وفي رواية البؤساء تمكن فيكتور هوجو من أن يربط بين النزعات الفلسفية و السياسية و الأدبية والإيديولوجية لعصره. فهذه الرواية بسبب تمجيدها للنزعة الإنسانية, اعتبرت لسنوات من أهم المؤلفات التي حظيت بأكبر عدد من القراء الفرنسيين بينما تعد روايته الراية السوداء بمثابة أكبر كتاب موجه ضد سياسة الاستعباد الأوروبية بحق الأفارقة. وبعد تخرجه من جامعة البولي تكنيك في باريس قام بتكريس كل وقته في خدمة الأدب الاجتماعي. وكان يدعو في مؤلفاته إلي النضال ضد نابليون الثالث ويكافح من أجل عودة الديمقراطية. الطبقة المنسحقة. تناول هوجو عالم الطبقات المنسحقة وصور معاناة المظلومين بأروع الصور فانضم بذلك إلي كتيبة من عباقرة الأدب العالمي في القرن التاسع عشر أمثال ديكنز وجوركي وجوجول وآخرين ساهموا بشكل كبير في تغيير مفاهيمنا حول الإنسان والعالم. لقد تناول العديد من الكتاب عظمة باريس و جمالها, لكن فيكتور هوجو تناول عالمها السفلي, عالم طفل المجتمع البائس. ففي عالم باريس السفلي يستعد بطل رواية البؤساء للحرب بين الخير والشر في داخل نفسه. تجري أحداث الرواية في فرنسا المضطربة عام1800 بعد عقود من ثورتها. يشهد هوجو كيف بلور العنف المجتمع وإيجاد شرائح اجتماعية سفلي, ورأي أنه بعد كل معركة اجتماعية كانت فرنسا تقترب خطوات صوب الديمقراطية. والبؤساء تعد نوعا آخر من الثورة, قام بها هوجو للتنقيب عن روح مشاعر التضامن مع المسحوقين والمظلومين. بطل الرواية جان فالجان يحاول يائسا إعالة أطفال شقيقته, فيلقي القبض عليه من قبل السلطات ويحكم عليه بالسجن لخمس سنوات لسرقة رغيف خبز, فتحطم المرارة طبيعة الخير فيه. كتب هوجو رواية البؤساء في منفاه السياسي في جزيرة غيرنيسي في القنال الإنجليزي فدوت أصداؤها بين جماهير فرنسا. بيعت في بداية الأمر علي شكل أجزاء, وكان كل جزء الأكثر مبيعا من بين الكتب في فرنسا.. تشريح الظلم وتعد البؤساء حلم هوجو الطوبوي وتحوي في الوقت نفسه مشاهد عميقة لمعاناة الإنسان لا تزال حية أمام عيوننا إلي اليوم, فهؤلاء البؤساء. هذه الرواية ليست هجوما علي أصحاب المال والثروة, بل صرخة بوجه المجتمع القاسي, وتشريح الظلم والعنف في الوعي الجمعي. لكن يتلمس المرء عبر الرواية إيمان هوجو بقدرات الإنسان الروحية للتغيير رغم طغيان الشر ورغم اعتقاده ربما بأن الكفاح ضد الفقر و الظلم الاجتماعي سيطول. وقد عاد هوجو إلي باريس عام1870 ليموت بعد15 عاما عام1885 عن عمر يناهز الثالثة والثمانين, وشارك في تشييعه أكثر من مليون إلي مثواه الأخير بين عظماء فرنسا.