إن ما مر من أحداث في الأيام القليلة الماضية وخاصة ما يصدر من قرارات وتدشين مشروعات كبرى وما نلاحظه من اعتراضات قوية من قبل الكثير من فئات الشعب والمتخصصين في مجالات عدة، إنما يدل على أن الخلاف مع من يديرون البلاد والنظام الحاكم ليس مجرد خلاف سياسى بل هو شعور شعبي عميق ومبرر بالخطر الداهم على مصر .. فمعاودة النقاش في قانون السلطة القضائية بعد هدنة مصطنعة لعقد ما أطلق عليه مؤتمر العدالة، والحديث عن تنمية " إقليم " قناة السويس بل توقيع مشروعات بعينها مع شركات أجنبية، دون دراسة ودون الإستماع لأهل الخبرة في هذا المجال، وكأن مصر قد عقمت من مفكريها وعلمائها .. ثم الحديث عن قوانين جديدة خاصة بالضرائب لتقديم فروض الولاء والطاعة لصندوق النقد الدولي من أجل القرض .. ثم اختطاف الجنود في قلب العريش وفي وضح النهار رغم استمرار ما يطلق عليه ب " العملية نسر " ورغم ما يقال عن تدابير قصوى في سيناء لاستعادة السيطرة، ثم أنباء عن مفاوضات مع الخاطفين بل إن مستشار الرئاسة يذهب إليهم برسالة - كل هذا وغيره يؤدي إلى تعريض الدولة للخطر.
إن كل ما تقوم به السلطة التنفيذية على المستويات كافة يثير الغضب ويزيد الأمور تعقيدا ويضاعف المسافات بينها وبين الشعب الذي أضحى على يقين أن مصر الدولة تئن، أو ما بقى من دولة بات في خطر داهم بعد إهانتها على المستوى السيادي والأمني والاقتصادي والثقافي ودخولها منعطفا خطيرا ينبغي الاعتراف أن الخروج منه سيكون صعبا .. إن كل هذا هو ما دفع عددا كبيرا من المواطنين إلى التفاعل الإيجابي مع حملة " تمرد " التي تدعو إلى سحب الثقة من كل من خان وتواطأ وأفقر وأذل وأهان الدولة المصرية وأهلها.. هي محاولة شرعية للتعبير عن الرفض التام لكل ما يحدث على أرض الكنانة، فمن يعتقد أن أهل هذه الأرض سيؤثرون مؤقتا الصمت والإستكانة فهو واهم لأن تاريخ هذا البلد يرى أن هذا الصمت يسبق العاصفة التي ما إن تهب فجأة ودون سابق إنذار، حتى تزيح كل ما تقابله في طريقها .. فلا تأمنوا هدوء هذا الشعب، لأن كل شبر في مصر يئن والسياسات المتبعة من الحكومة وممن يديرون شئون هذه البلاد هي السبب.
رحم الله الشاعر الراحل أمل دنقل الذي تمر ذكراه بعد أيام، فقد تحدث عن أحوال مصر وانتقدها بكلمات معبرة وقوية .. في قصيدته ( صلاة ) يقول : " أبانا الذي في المباحث، نحن رعاياك، باق لك الجبروت وباق لنا الملكوت وباق لمن تحرس الرهبوت .. تفردت وحدك باليسر، إن اليمين لفي الخسر، أما اليسار ففي العسر ..إلا الذين يماشون..إلا الذين يعيشون يحشون بالصحف المشتراة العيون فيعشون .. إلا الذين يشون وإلا الذين يوشون ياقات قمصانهم برباط السكوت! تعاليت، ماذا يهمك ممن يذمك ؟ اليوم يومك، يرقى السجين إلى سدة العرش.. والعرش يصبح سجنا جديدا وأنت مكانك..قد يتبدل رسمك واسمك، لكن جوهرك الفرد لايتحول، الصمت وشمك والصمت وسمك ..والصمت بين خيوط يديك المشبكتين المصمغتين يلف الفراشة ..والعنكبوت.. أبانا الذي في المباحث كيف تموت وأغنية الثورة الأبدية ليست تموت !! " .. اللهم افرغ علينا صبرا ووحد هذا الشعب وهون عليه الأيام القادمة. [email protected] لمزيد من مقالات رشا حنفى