حين رحل أمل دنقل عن عالمنا فى شهر مايو1983أحسست بأنى قد حلت بى فجيعتان : أولاهما فجيعة عامة يشترك معى فيها عشرات الآلاف من عشاق شعره ممن أحسوا مثلى أنهم لن يعيشوا حتى يروا شاعرا آخر يعوضهم عن إبداعه المتفرد، (مستوى أمل دنقل نادرا ما يتكرر فى حياة الجيل الواحد مرتين)،...أما الأخرى فهى فجيعة على المستوى الشخصى حين أحسست أننى قد فقدت إلى الأبد صديقا ونديما حميما، نادرا ما يجود الزمان بمثله. كان أمل يمتلك نوعا نادرا من القوة الروحية النابعة من الفهم العميق للحياة والناس والأشياء، ومن القدرة على النفاذ بغير عائق إلى الجوهر والأعماق ، وحين كنا نحن أصدقاءه القريبين حين كنا نعوده فى مرضه لم نكن نحن الذين نعوده فى الحقيقة، فقد كنا نسعى إليه لكى نستمد منه القوة والقدرة على الصمود، ..كنا فى الحقيقة نشعر بأنه أقوى منا: نحن الأصحاء، أو بالأحرى نحن الذين يخيل إلينا أننا أصحاء!. رحل أمل فلم يعوض أصدقاءه عن رحيله أحد، ..رحل أمل وبقيت أشعاره التى كلما رجعنا إليها أثارت فى نفوسنا الشجون والمواجع الشخصية والقومية، وفى كل مرة أقرأ فيها أشعاره أرى فيها على مستوى التجربة الإنسانية هما أزليا خالدا ، لكننى على المستوى الفنى أرى فيها دائما شيئا جديدا، وعلى سبيل المثال فهذه قصيدته "صلاة" التى كثيرا ما أعدت قراءتها فاستوقفتنى قدرته على الجمع بين توظيف التراث العربى برافديه :الإسلامى والمسيحى فى سياق واحد متآلف، ينتقل فيه مما هو ساخر إلى ما هو جاد، ومما هو دينى إلى ما هو سياسى، ومما هو تاريخى إلى ما هو ماثل فى اللحظة الراهنة، فى بناء متكامل بديع يعبر أعمق تعبير عن ضمير الشعب العربى المقهور. *** أبانا الذى فى المباحث ، نحن رعاياك، باق لك الجبروتُ وباق لنا الملكوتُ ، وباق لمن تحرس الرهبوت *** تفردت وحدك باليسرْ، ..إن اليمين لفى الخسرْ..،أما اليسار ففى العسر، إلا الذين يماشون ،إلا الذين يعيشون يحشون بالصحف المشتراة العيونَ، فيعشونَ،.. إلا الذين يشونَ، وإلاالذين يوشّون ياقات قمصانهم برباط السكوت! تعاليت ماذا يهمك ممن يذمك؟ .. اليوم يومك، قد يتبدل رسمك واسمك، لكن جوهرك الفردلا يتحول، فالصمت وشمُك ،والصمت وسْمُك، والصمت حيث التفتّ يرين ويسمكُ، والصمت بين خيوط يديك المشبكتين المصمغتين يلف الفراشة َ والعنكبوت. *** أبانا الذى فى المباحث كيف تموت ، وأغنية الثورة الأبدية ليست تموت [email protected]