يبدو أن الأمن المصري في إفريقيا لم يحن أوانه بعد, علي الرغم من أن الجميع شرقا وغربا يتدافع علي هذه القارة البكر بحثا عن الثروة و النفوذ. ولعل ما يثير الدهشة والتعجب في آن واحد هو أنه في نفس اللحظة التي كان الرئيس محمد مرسي متوجها فيها إلي البرازيل في زيارة قيل إنها تاريخية كالعادة افتتح ديفيد كاميرون رئيس الوزراءالبريطاني مؤتمر الصومال الثاني في لندن وبمشاركة ممثلين عن نحو خمسين دولة ومنظمة دولية. صحيح أن مصر ممثلة في هذا المؤتمر بوفد ترأسه مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية غير أن ذلك لا يعكس حقيقة الصومال وأهميتها الجيوبولتيكية بالنسبة للأمن القومي المصري. لقد سبق انعقاد هذا المؤتمر ثلاثة تحولات مهمة قد تستبطن في حقيقتها ودلالاتها العميقة استبعاد مصر من خريطة المعادلة الاستيراتيجية في القرن الإفريقي وذلك لحساب قوي دولية وإقليمية غيرعربية. التحول الأول يتمثل في الاعتراف الدولي الغربي بحكومة الرئيس حسن شيخ محمود باعتبارها أكثر الحكومات الصومالية شرعية منذ عام1991, كما أنها تمثل بداية عهد جديد للصومال المستقر وفقا للوصفة الغربية. ويتمثل التحول الثاني في الموقف الإثيوبي من الصومال والذي تم التعبير عنه بشكل مفاجئ في شهر مارس الماضي حينما قررت الحكومة الإثيوبية سحب قواتها من مدينة حدر حاضرة محافظة بكول الصومالية. أما التحول الثالث فيتمثل في موقف قمة الايجاد غير العادية التي انعقدت في اديس ابابا في الثالث من مايو الحالي حيث أكدت أهمية تطبيق خريطة الطريق التي تتبناها دول الجماعة الإفريقية وبمساعدة غربية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في الصومال. وعلي أي حال فان مؤتمر الصومال الثاني الذي انعقد في لانكستر هاوس يختلف عن سابقه الذي عقد في نفس المكان العام الماضي من حيث وجود بعض التحولات الإيجابية التي تدعو للتفاؤل في المشهد السياسي والمجتمعي في الصومال. وذلك علي الصعيدين الانساني و الأمني. فمن الملاحظ أن هجمات القراصنة علي الساحل الصومالي قد انخفضت بمعدل كبير يصل إلي ثلاثة أرباع عما كانت عليه العام السابق.وقد انعكس هذا المناخ الايجابي علي الصوماليين في بلدان الشتات, حيث شهد العام الماضي وحده عودة نحو(66) ألف لاجيء و نازح إلي ديارهم في الصومال. ولعل من المظاهر الإيجابية هو استعادة الثقة في العملة الصومالية نتيجة تحويلات الصوماليين في الخارج. فشركات الاتصال والشحن بدأت تستعيد نشاطها المعتاد في مقديشيو. ومع ذلك فان ثمة تحديات كبري تواجه مسيرة التحول الانتقالي في الصومال الجديد. وهنا يمكن أن نشير إلي أبرزها علي النحو التالي: التحدي الاول ويتمثل في الداخل الصومالي نفسه, حيث إن الشباب المجاهدين لا يزالون يمثلون خطرا حقيقيا بالرغم من الهزائم المتكررة التي تعرضوا ليها. فثمة مناخ عام في كثير من المناطق الصومالية التي عانت من الفقر والتهميش والعنف ردحا طويلا من الزمان يساعد علي انتشار وجاذبية الخطاب الاسلامي الراديكالي الذي يتبناه كثير من الجماعات الجهادية في الصومال وشرق افريقيا. ومن جهة أخري توجد بعض الأقاليم التي لا تريد العودة إلي حضن الفيدرالية الجديد مثل اقليم أرض الصومال الذي قاطع فعاليات مؤتمر لندن أو بعض الأقاليم الأخري التي تريد وضعا خاصا مثل اقليم جوبالاند. ويتمثل التحدي الثاني في السياق الإقليمي ولا سيما دول الجوار الجغرافي للصومال. فالقرن الإفريقي الكبير لم يكن فقط ضحية للأزمة الصومالية من حيث آثارها السلبية عليه ولكنه تحمل أيضا كلفة الحل العسكري في مواجهة الشباب المجاهدين. ألم تتدخل قوات إثيوبية وكينية وأوغندية و بوروندية في المعترك الصومالي ولا تزال. وعليه فان تسوية مستقبلية للصومال وأزمته المزمنة لا يمكن لها أن تدوم دون مشاركة فعالة من هذه الدول, وهنا يمكن أن نشير إلي الموقف المصري والعربي عموما بأنه كان أقرب إلي وضع الشاهد اللي ما شافش حاجة. فبأي حق يمكن أن نطالب بدور في اعادة صياغة الصومال من الناحية الجيواستراتيجية؟! و أخيرا فان التحدي الثالث يتمثل في وقوع الصومال ضمن الأجندة الأمريكيةالجديدة التي تعمد إلي عسكرة عملية التنافس الدولي في إفريقيا.. فالولاياتالمتحدة منذ فبراير الماضي عملت علي تسريع وتفعيل قياداتها العسكرية في إفريقيا( أفريقوم). فمع اندلاع الحرب في مالي قرر الرئيس أوباما انشاء معسكر أمريكي في النيجر وهو ما يعطي الولاياتالمتحدة قدرة علي الاختراق في الساحل الإفريقي ومنطقة غرب افريقيا انطلاقا من أراضي النيجر. واذا ما أخذنا بعين الاعتبار وجود أكبر معسكر أمريكي في قاعدة لومينية بجيبوتي لأدركنا التحكم الأمريكي في منطقة القرن الإفريقي و شرق إفريقيا بشكل عام. يعني ذلك كله أن الصومال الجديد سوف يراد له أن يكون خصما من الرصيد الاستراتيجي العربي في منطقة الأركان الإفريقية وذلك في نفس الوقت الذي يمثل فيه اضافة استراتيجية للقوي الإقليمية غير العربية مثل كينيا وأوغندا وإثيوبيا, والتي حرص زعماؤها علي حضور مؤتمر لندن الثاني بشأن الصومال. والملاحظة التي تدعو للتأمل هنا أن ايهورو كينياتا الملاحق من قبل الجنائية الدولية أصر علي المشاركة بنفسه في مؤتمر لندن لتكون أول زيارة له لدولة غربية بعد انتخابه رئيسا لكينيا. أين نحن من كل هذا ؟! أظن أن القراءة الواعية لما يحدث في الصومال وجواره الإفريقي لا سيما ما يرتبط بالسودان وملف مياه النيل لا تدعو إلي التفاؤل علي الإطلاق. ولعل هذا يتطلب منا إعادة مراجعة شاملة لمفاهيم الأمن القومي. فاذا كان ذلك كله لا يمس أمننا القومي يصبح المفهوم نفسه عديم القيمة.إننا في موقف أزمة حقيقية تحتاج إلي تضافر الجهود الوطنية المخلصة للدخول في حوار مجتمعي استراتيجي من أجل البحث عن مبادرات وحلول حقيقية وليس الدخول في جدل عقيم حول تشخيص الواقع وتاريخه, فمفردات الواقع الإفريقي الجديد باتت واضحة ولا تخفي علي أحد. لمزيد من مقالات د. حمدى عبد الرحمن