إذا كان عام2012 حاسما بالنسبة لإدارة المرحلة الانتقالية في مصر بعد الثورة فإنه كان بالمثل نقطة تحول فارقة في تطور الأزمة الصومالية التي استمرت لأكثر من عقدين من الزمان. لقد اتفقت الإرادة الدولية والقوي الفاعلة في المسألة الصومالية علي ضرورة وضع حد لحالة غياب الدولة في الصومال. بالفعل تم اقرار دستور جديد وانتخاب برلمان ورئيس للدولة ورئيس للحكومة وهو الأمر الذي أفضي إلي تأسيس حكومة دائمة تحظي بالاعتراف الدولي. ومن الواضح أن هذا التطور السياسي قد عزز من شعور المجتمع الدولي بالثقة في النظام السياسي الصومالي الوليد. وقد تجلي ذلك في قيام إيران بإعادة افتتاح سفارتها في مقديشيو, وتعين المملكة المتحدة سفيرا جديدا لها هناك, بالإضافة إلي عزم الأممالمتحدة علي نقل المزيد من موظفيها إلي العاصمة مقديشيو. ولم يقف هذا التدافع الدولي علي الصومال الجديد عند هذا الحد, حيث بدأت الخطوط الجوية التركية رحلاتها المنتظمة بين العاصمة مقديشيو وأنقرة بما يعكس قوة الاستثمارات التركية المتوقعة في الصومال. مع ذلك فإن الصومال لايزال يعاني من تحديات داخلية وخارجية حقيقية يمكن أن تعيده مرة أخري لنقطة الصفر الأولي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يتمثل في: أين مصر من كل هذا؟ هل يقف الدور المصري عند حدود وجود حفنة من الخبراء وبضع شحنات من المساعدات الانسانية التي تعكس الجانب الخيري لدي كثير من مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني في مصر المحروسة؟. وقد توقفت مليا عند وثيقة صدرت في السادس من ديسمبر2012 بعنوان: خطة الاستقرار الكبير لجنوب ووسط الصومال, وهي صادرة عن اللجنة المشتركة لهيئة التنمية الحكومية( الايجاد). ولعل مكمن الخطورة في هذه الوثيقة المشكوك في أهدافها ومراميها والتي لم يلتفت إليها الاعلام المصري والعربي علي الاطلاق أنها تنطوي علي تهديدات حقيقية للأمن الوطني الصومالي, والأمن القومي العربي علي العموم. فالوثيقة صدرت من مكتب منسق الايجاد للسلام والمصالحة في الصومال والذي يقيم في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا, وهو مستقل في عمله عن سكرتارية المنظمة الكائنة في جيبوتي. أضف إلي ذلك أن هذه اللجنة المشتركة تضم كلا من كينيا وأثيوبيا فقط. ولعل ذلك يعني في أبسط دلالاته ومعانيه أن الشأن الصومالي أصبح حكرا علي هاتين القوتين الاقليميتين دون باقي أعضاء الايجاد الآخرين. إن ثمة صورة متخيلة لما ينبغي أن يكون عليه الصومال الجديد لدي صانعي القرار في كل من كينيا وإثيوبيا. وربما لا تخالف هذه الصورة الهندسة الجيواستراتيجية الجديدة لمنطقة القرن الإفريقي والتي تحاول الأطراف الدولية الفاعلة فرضها في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. ولعل الهاجس الأمني المشترك من سيطرة الشباب المجاهدين هو الذي يجمع القوي الدولية والاقليمية علي كلمة سواء من أجل القضاء علي خطر التطرف الاسلامي وفقا لزعمهم- في الأراضي الصومالية. ولا يخفي أن التدخل العسكري الكيني في جنوب الصومال, وهو عمل غير مسبوق في تاريخ كينيا الحديث بعد الاستقلال, إنما كان يهدف في المقام الأول إلي إقامة منطقة عازلة علي حدودها مع الصومال بحيث تضم منطقة وميناء كيسمايو ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار المشاريع الإثيوبية في النفاذ إلي وسط الصومال ولاسيما اقليم هيران الاستراتيجي لاتضحت لنا معالم الصورة التي تكون أشبه إلي حالة الكنتونات المنعزلة وغير المترابطة, وهو ما يفضي في نهاية المطاف إلي تفكيك الدولة الصومالية وجعلها تخضع لإرادات دولية واقليمية متنافسة. وفي السياق نفسه فإن قوات الاتحاد الإفريقي العاملة في الصومال( أميصوم) تسيطر علي مقديشيو وما حولها واقليم بنادر, وهو الأمر الذي يجعلنا أمام تحد كبير يواجه الحكومة الصومالية بقيادة الرئيس المنتخب حسن شيخ محمود. لعل سؤال ما العمل يطرح إفاقا رحبة للدور المصري الفاعل في إعادة بناء الدولة الصومالية علي أسس جديدة. ولا يخفي أن الترويكا الحاكمة في الصومال اليوم والتي تضم الرؤساء الثلاثة, رئيس الجمهورية, ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان وإن لم تكن لها خبرة كافية في العمل العام وإدارة دولاب الدولة فإن بمقدورها قيادة جهود بناء مؤسسات الدولة الجديدة. ويمكن تجاوز مطامع القوي الإقليمية والدولية التي تحاول فرض وصاية جديدة علي الصومال من خلال ثلاثة مسالك أساسية: أولها: تحويل قوة أميصوم إلي قوة أممية تابعة للأمم المتحدة مع تخويلها مهام فرض السلام ويكون عمادها قوات من الدول الاسلامية مثل تركيا ومصر وباكستان. ثانيا: تبني الشكل الفيدرالي الحقيقي, وهو الأمر الذي يسمح بتحقيق الرابطة الجامعة التي تجمع بين مختلف أقاليم الصومال بما في ذلك إقليم أرض الصومال وإقليم بونت لاند وأقاليم جنوب ووسط الصومال. إذ يسمح هذا الشكل للجميع بإدارة شئونهم الإقليمية دون أية وصاية خارجية ولا سيما من دول الجوار الجغرافي وبما يحافظ علي وحدة الصومال وسلامة أراضيه. ثالثا: التأكيد علي قيم المواطنة والمساواة والعدالة بين الجميع وهو ما يعني استلهام روح الأمة الصومالية الواحدة. إن مصر مدعوة لقيادة جهود عربية مخلصة للحفاظ علي هوية الصومال العربية الاسلامية والدفاع عن وحدة الدولة بما يجنبها مخاطر التقسيم والتفتيت. فهل نعي حجم المخاطر التي تهدد أطراف المحيط الاستراتيجي العربي في امتداده الإفريقي؟ ولا شك أن الوعي يترتب عليه بالضرورة إرادة الفعل الاستراتيجي. وهذا هو التحدي! المزيد من مقالات د. حمدى عبد الرحمن