في لحظات قصيرة.. بعد منتصف ليل يوم السبت الماضي.. تحول ظلام دمشق الدامس إلي نهار ناري.. بفعل كرات اللهب التي أضاءت سماء بلاد الشام فوق جبل قاسيون العتيد.. الذي يقف شامخا.. شاهدا ولو صامتا علي كل ما يرتكب من جرائم في حق الانسان السوري.. سواء من نظام الرئيس بشار الأسد, أو كما حدث مساء السبت من جانب الكيان الإسرائيلي! الطائرات والصواريخ الاسرائيلية استهدفت علي مدي4 ساعات04 هدفا في دمشق وضواحيها بقصف عنيف, شعر معه سكان العاصمة السورية بموجة هائلة من الحرارة, وشاهدوا كتل النار فوق جبل قاسيون, فسادت حالة من الرعب والهلع, اعتاد عليها السوريون حقا, لكنها جاءت هذه المرة أكثر قسوة وأشد حرارة! وقد بادر النظام السوري إلي اتهام اسرائيل في الأممالمتحدة باستهداف مواقع تابعة للقوات المسلحة السورية, محذرا من أن تل أبيب تجر المنطقة الي حرب اقليمية. والمثير هو أن نظام الأسد قد تذكر أخيرا الشهداء والجرحي, حيث أشار الي أن الضربة الاسرائيلية أدت الي تدمير واسع في المناطق التي استهدفتها, فضلا عن سقوط العديد من الشهداء والجرحي في صفوف المواطنين. إذن فقد تذكر النظام السوري الآن فقط الشهداء والجرحي, علي الرغم من العشرات بل المئات من الضحايا الذين يسقطون يوميا بفعل آلياته العسكرية علي مدي العامين الآخيرين, في مجازر عديدة في شتي أرجاء البلاد, التي كان آخرها مجزرة بانياس التي راح ضحيتها من شهداء ومفقودين نحو سبعمائة سوري تم دفن مائتين منهم في مقبرة جماعية, وفقا لبيانات تنسيقية مدينة سلقين. وعلي الرغم من عدم وضوح أسباب الضربة العسكرية الاسرائيلية لسوريا, والتي تعد الثانية خلال84 ساعة والثالثة منذ بداية العام, فأن المراقبين قدموا بعض التفسيرات تمثل عنوانها الرئيسي في3 كلمات فقط, هي ايران وحزب الله, فقد أشارت التفسيرات الي أن أهداف الضربة هي مهاجمة أسلحة ايرانية كانت في طريقها الي حزب الله اللبناني, أو أسلحة كيميائية كانت في طريقها من سوريا إلي حزب الله, أوتحطيم مخازن أسلحة وصواريخ في الأراضي السورية كانت مخصصة لتقوية القدرات العسكرية لحزب الله, وضرب طرق إمدادات الحزب, أوقصف وحدة من الفرقة الرابعة ووحدة الارتباط العسكرية السورية التي تنسق مع الإيرانيين والحزب, بالإضافة إلي توجيه رسالة واضحة للقيادة السورية بعدم نقل أي أسلحة لزيادة احتياطي حزب الله من صواريخ أرض أرض أو الصواريخ المضادة للطائرات. أيا كان الأمر, فقد بدا أن الضربة الإسرائيلية موجهة في الأساس إلي تحالف( طهراندمشق حزب الله), الذي سيصارع حتي الرمق الأخير وبكل الوسائل للدفاع عن نظام الأسد, وقد يكون من بين هذه الوسائل جر اسرائيل إلي المعركة, عبر استهدافها عسكريا, لتحويل الصراع الي حرب اقليمية شاملة, سرعان ما قد تتحول الي حرب دولية الحرب العالمية الثالثة مثلا اذا ما تدخلت واشنطن وموسكو وبكين لدعم حلفائها. الا أن إسرائيل بادرت هنا بتوجيه الضربة الأولي في الحرب, لتأكيد جدية الأمر بالنسبة لها وعدم تهاونها فيما تري أنه يمس أمنها القومي. وفي المشهد السياسي للمعارضة السورية, وموقفها من الضربة الاسرائيلية, برزت عناصر مهمة, حيث استضافت القناة الثانية في التليفزيون الاسرائيلي معارضا سوريا اسمه حسن الرستناوي قدم نفسه علي أنه متحدث باسم الجيش السوري الحر المعارض, وقال ان إسرائيل زرعت فرحة عارمة في قلوب الثوار السوريين والمقاتلين بتوجيهها هذه الضربة العسكرية لأنها دمرت مخابئ لحزب الله والحرس الثوري الإيراني, وأضاف أن الجيش الحر وصل إلي مرحلة يائسة بسبب عمليات الجيش السوري النظامي لولا تدخل الضربات الإسرائيلية, علي حد قوله. وهنا بادر الجيش الحر بقيادة العقيد رياض الأسعد علي لسان محمد فاتح الناطق باسمه باصدار بيان أكد فيه أن المدعو حسن الرستناوي غير معروف لدي الجيش الحر ولايمثل اي جهة تابعة له, وأن ما قاله عبر تلك القناة يمثل وجهة نظره فقط, وأن قيادة الجيش الحر تنظر إلي العدو الإسرائيلي علي أنه كان ولايزال عدوا تقليديا وسيبقي كذلك حتي تحرير كامل الاراضي العربية من براثنه القذرة. انتهي بيان الجيش الحر بقيادة الأسعد ونائبه العقيد مالك الكردي, لكن تجدر الاشارة هنا الي أن الجيش السوري الحر لم يعد تنظيما واحدا, بل إن هناك أكثر من تنظيم يحمل ذات الاسم مع اختلافات بسيطة, وأول هذه التنظيمات هو الجيش الحر الذي أسسه رياض الأسعد بعد أشهر قليلة من اندلاع الثوة السورية في شهر مارس1102, وبعد ذلك ظهر الصراع علي اسم الجيش الحر لتمتعه بسمعة طيبة, فظهرت تنظيمات أخري, آخرها تنظيم هيئة الأركان المشتركة للجيش الحر بقيادة اللواء سليم ادريس, وهو التنظيم الذي يعد الذراع العسكرية للائتلاف الوطني السوري المعارض, برغم أن القدرات العسكرية لهذا التنظيم لاتزيد علي02% من القوات العاملة ضد النظام السوري علي الأرض, وفقا لبعض التقديرات. والأمر المثير هنا, هو تداول أنباء عن قيام اللواء سليم ادريس بارسال العقيد عبد الحميد زكريا وضابطين آخرين من هيئة الأركان للاجتماع مع المخابرات الاسرائيلية موساد قبل الضربة, تنفيذا لتوجيهات دولة اقليمية رتبت لعقد اللقاء. وأنه قد تم توجيه الضربة لقوات النظام في دمشق, عقب هذا الاجتماع. وقد أدت هذه الأنباء الي ردود أفعال مختلفة, حيث أكد بعض المعارضين عدم صحتها قائلين إنه لا أدلة عليها, بينما أشار البعض إلي رفض وجود أي تعاون مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي في سبيل اسقاط نظام الأسد. وأخيرا.. فإننا ندعو اللواء ادريس وقيادة الائتلاف السوري التي تدعمه الي التعليق علي هذه الأنباء, لاثبات صحتها من عدمه, لخطورتها وعدم جواز التهاون بشأنها, حرصا علي مسار الثورة السورية, التي لا تزال تتلمس طريقها في عامها الثالث, وسط صمت عالمي رهيب, إزاء كل هذه البحور من دماء الأبرياء.