يمثل العدوان الإسرائيلي السافر مؤخرا علي سوريا انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي ويتطلب مواجهة حاسمة من المجتمع الدولي لردعه ومنع تكراره, كما أنه يؤدي إلي تغير قواعد اللعبة للأزمة السورية المشتعلة منذ أكثر من عامين بما يزيد المشهد تعقيدا وغموضا. فقد شهدت قواعد اللعبة السورية في الفترة الأخيرة عددا من المتغيرات المتشابكة والمترابطة كان أولها إعلان جبهة النصرة المعارضة للنظام انتماءها وولاءها لتنظيم القاعدة وهو ما أدي إلي سعي النظام الاستبدادي لتوظيفه لتلويث المعارضة ووصمها بأنها ليست قوي ثورية حرة وإنما جماعات إرهابية لتبرير جرائمه الوحشية لقمع الثورة, وكان آخرها المجازر الوحشية, خاصة ضد السكان السنة في مدينتي بانياس والبيضا, كما أن هذا المتغير دفع بعض القوي الغربية خاصة الولاياتالمتحدة إلي مزيد من التردد في موقفها إزاء قضية دعم المعارضة بالأسلحة خوفا من أن يكون بديل سقوط النظام الحالي جماعات متطرفة تهدد المصالح الأمريكية وحليفتها إسرائيل, وثانيها استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية مثل غاز السارين ضد الثوار ومنع تقدمهم صوب العاصمة بعد أن باتت الكفة العسكرية تميل لصالحهم مع سيطرتهم علي كثير من المناطق وتحريرها من قبضة النظام, خاصة في محافظة ديالي وحلب وحمص, ودفع هذا المتغير إلي تغيير آخر في قواعد اللعبة حيث بدأ يعيد تشكيل الموقف الدولي من النظام والمعارضة وبدا استحضار نموذج العراق للتدخل العسكري في سوريا كخيار أخير أو تسليح المعارضة كخيار واقعي, عندما أعلن الرئيس أوباما صراحة أنه إذا ما أثبتت صحة التقارير الاستخباراتية باستخدام الكيماوي. وثالث المتغيرات إعلان حزب الله, علي لسان رئيسه حسن نصرالله, استعداده لإرسال مقاتلي الحزب لدعم النظام ومنع سقوطه وهو ما أدي إلي تبلور البعد الإقليمي للأزمة وهو ما قاد إلي المتغير الرابع في دخول إسرائيل طرف مباشر في الصراع لوقف نفوذ حزب الله ومنع تهريب الأسلحة الإيرانية إليه عبر سوريا كما زعمت في غاراتها الأخيرة, وكذلك لمنع حصول الجماعات التي تسميها بالمتطرفة علي الأسلحة الكيماوية, لذلك كانت الاستخبارات الإسرائيلية أول من كشف النقاب عن قضية الكيماوي. وبالطبع فإن هذه المتغيرات الأربعة تعيد تشكيل قواعد اللعبة سواء من ناحية أطرافها أو من ناحية تفاعلاتها, فالآن لم يعد الصراع في سوريا بين قوي الثورة والنظام الديكتاتوري الذي يستخدم كل الأساليب الوحشية لاستعادة زمام المبادرة, وإنما أصبح هناك فاعلان جديدان مؤثران في الصراع وهما إسرائيل وحزب الله ومن خلفه إيران, فالموقف الإسرائيلي من تفاعلات الثورة السورية خلال الفترة الماضية ارتكز علي أن سقوط بشار ليس في صالحه باعتبار أن النظام البديل سيهدد مصالحه, وهو يدرك جيدا أن نظام بشار مثل البطة العرجاء غير قادر علي مواجهة عدوانه الذي تكرر أكثر من مرة, حيث اكتفي النظام بموقفه التقليدي أنه يحتفظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين, كما أن إسرائيل بعد أن تخلصت من الجيش العراقي تراهن علي تحلل الجيش السوري من داخله عبر الحرب الأهلية وهو ما يزيل أي تهديد حقيقي لها من قبل النظام السوري أو حتي من يأتي بعده مع نجاح الثورة, وفي المقابل فإن النظام لن يوجه أسلحته صوب الحدود والرد علي الاعتداءات الإسرائيلية لأنه بالفعل أعاد نشرها في كل المحافظات السورية ويستخدم طائراته وصواريخه ودباباته لقتل شعبه وقمع الثورة, كما أنه سوف يسعي إلي توظيف هذا العدوان لصالح بقائه واستمراره بترديده أن هذا العدوان يوضح التحالف بين الجماعات الإرهابية والصهيونية للتآمر علي سوريا, وكذلك محاولة الظهور بتعرضه لعدوان خارجي يستهدف جبهة الممانعة التي يمثلها لالتفاف الشعب حوله وتنظيم الجبهة الداخلية والتخلص من الثورة للتفرغ لمواجهة إسرائيل, وهذا الرهان من جانب النظام يمثل تعقيدا في المشهد السوري, فمن ناحية فإن النظام سوف يستمر في منهجه القمعي لوأد الثورة عبر تصعيد عمليات القتل الجماعي والتدمير للمدن السورية, ومن ناحية أخري فإن إسرائيل في ظل استنزاف الجيش السوري في المعارك مع الثوار ستعمل علي تصفية حساباتها مع حزب الله وإيران في الساحة السورية لتدمير أية أسلحة تعتبر أنها تمثل تهديدا لأمنها, خاصة وأن عدم الرد السوري وصمت الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية بمثابة ضوء أخضر لها لتكرار عدوانها السافر. وفي كل الأحوال فإن الخاسر الحقيقي هنا هو سوريا الوطن الذي تنتهك سيادته من جانب إسرائيل وسوريا الشعب الذي يتعرض للقمع من جانب نظام مستبد وعنيد ينتهك كل قواعد القانون الدولي والإنساني بارتكابه جرائم حرب جماعية في المدن السورية واستخدامه الأسلحة الكيماوية, وسوريا الثورة التي اتخذت طابعا سلميا وتهدف إلي تحقيق الحرية وتطلعات الشعب السوري باتت الآن تئن تحت المطرقة الإسرائيلية وسندان النظام, بما يزيد من أمد الأزمة ويدفع بسوريا صوب المجهول والصراع الإقليمي نتيجة لرهانات النظام الاستبدادي الذي لم يستجب لتطلعات شعبه. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد